وقفت ليلى وباستعجال ذهبت لتوقف ابنتها التي بدأت توها في تناول وجبتها في إناء كبير درجت العادة تخصيصه للطبخ، فانتهرتها قائلة “يابت ما تأكلي في الحلة يوم عرسك يجى الهواء”، لم تحرك تلك الجملة ساكناً في ابنتها لقناعتها التامة بأنها خرافة وأحد المعتقدات المتداولة وسط المجتمع السوداني ويؤمن بها الكثيرون، لانتشارها الواسع في المجتمعات الشعبية.
المعتقد بحسب الطيب محمد الطيب هو رصيد للذهن الشعبي يلجأ إليه عند إخفاقه في إيجاد دليل مادي لظاهرة ما تنشأ بين الجماعة، وكثير من هذه الأشياء يفسرها ذهن الجماعة. وأضاف: “المعتقدات الشعبية في السودان تنحصر جميعها في الأولياء الصالحين والممارسات السحرية والأحلام والجن والكائنات فوق الطبيعية، فضلاً عن الطب الشعبي والمعتقدات المتعلقة بالعناصر الطبيعية”.
تشاؤم وتطير
أما رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة أم درمان الأهلية د. فتح العليم عبد الله، فقال: “تعتقد كثير من القبائل العربية بالتشاؤم والتطير، وهما أعراف وطقوس متوارثة عند العرب في الجاهلية”. وتابع: “قديماً كان العرب يبدلون ملابسهم من الواجهة للخلف عندما يريدون دخول مكان جديد، وعندما ينوون السفر يطيرون طائر إذا اتجه نحو الشرق يواصلون السفر، أما إذا اختار اتجاه الغرب يؤجلون السفر إلى وقت لاحق”. ولفت إلى أن كل المجتمعات البدوية والريفية تعتمد على الموروث المتبادل والإيمان بالغيبيات وتؤمن بالاعتقاد. فالتشاؤم – بحسب د. فتح العليم – هو الخوف من المجهول، وهناك العديد من المعتقدات المتداولة بين الناس مثل “إذا لاقاك زول من الصباح نحس يومك كعب” أو “الحامل تتوحم على زول سمح عشان المولود يطلع سمح”، ونبَّه إلى أن الاعتقاد يختلف من إثنية لأخرى ومن بيئة لأخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وتختلف المعتقدات من مكان لآخر، وفي إطار المجتمعات تجد معتقد يعد إيجابياً في بعضها وفي الآخر سلبي، لمحو تلك الخرافات يرى د. فتح العليم أن التعليم هو الأساس، لأن الجهل هو ما يولد تلك المعتقدات والخرافات القديمة.
ضرب من الخيال
المتتبع للمعتقدات المتداولة يجد أن الكثير منها تكاد تكون ضرب من الخيال أو بفرض الدعابة والمزاح، ففي الكثير من المناسبات سيما وقت الأتربة تسمعهم يقولوا “كحلو الكديسة” حتى لا يتعكر الجو بالأتربة والغبار، وعند ولادة أي مولود تجد الجدة تُصر على دفن (سرة) المولود في باحة المسجد حتى ينشأ تقياً وصالحاً، وعندما يكبر ويكسر أي سن من أسنانه من الضروري رميه باتجاه الشمس. ويقول “يا عين الشمس شيل سن الحمار وأديني سن الغزال”، وإلا فإن أسنانه ستنمو معوجة، ومن المعتقدات أيضا إذا كثر (رف العين) من الجفن الأسفل فإن كارثة ما ستحدث لا محالة، أما إذا كانت من الجفن الأعلى فإن فرحاً سيـأتيك، وهناك أيضاً معتقد سارٍ يقول “إذا مشى عنكبوت صغير على الملابس فهذا يدل على أن الشخص سيلبس ملابس جديدة، في شمال السودان يرون الحذاء المقلوب فألاً سيئاً”.
خرافة مدهشة
من أجمل الخرافات التي يرويها الكثيرون أنه إذا هبت رياح شديدة الأتربة ينادون الولد الذى يكون والده متزوج من بنت عمه ويعطونه إناءً به ماء، ويكون رأسه متجهاً نحو الجنوب وحاني الظهر وفاتح الأرجل ويدلق الماء الذى يحمله اتجاه الشمال من بين أرجله بعيداً، ويقول عبارة “كشحتك أمي بت عم أبوي”.
الخرطوم – عرفة وداعة الله
صحيفة اليوم التالي