من السهل على الناس وعلى المجتمعات في لحظات الشحن العاطفي والتوتر أن تقع في شر التطرف، باعتبار أن الناس يظنون أن المبالغة نوع من تأكيد الإيمان بالفكرة، فيصرخون ويتصايحون ويحملون السلاح – أياً كان نوع السلاح – هم يعتقدون أن ذلك دليل أكيد على صدق إيمانهم، المصيبة أن المبالغة أو المغالاة لا تُعبّر بالضرورة عن صدق الإيمان، لكنها تدلل حتماً على استعداد صاحبها للانسياق وراء عاطفته ومبالغاته للوقوع في المحظور، والمحظور المقصود هنا هو التطرف والمجاهرة بإرهاب الآخرين وتهديد أمنهم تحت ذريعة الدفاع عما نحبه ونقدسه!
ليس هناك من بلاء أشد على المجتمعات من التطرف، وهذا ما نراه ونعايشه اليوم، الملاحظ دائماً أن التطرف كالخلية السرطانية ينتشر بسرعة وينقسم إلى ما هو أخطر على جسد المجتمعات والدول، لاحظوا كيف بدأ التطرف بما يعرف بتنظيم (القاعدة) بعد حرب أفغانستان بكل ما صاحبها من مبالغات وأكاذيب لا حدود لها، واليوم أين وصل العالم؟ كم نوعاً من التطرف نعاني؟ تطرف على أساس العرق، والدين والمذهب والانتماء الطائفي، تطرف سياسي وديني وفكري والحبل على الجرار، يعني لايزال في جيب التطرف ما يخرجه للعالم ما لم يقف هذا العالم كجسد واحد ضده!
كيف نستطيع الوقوف في وجه التطرف؟ ابتداء هل من الممكن أن ننجح في مقاومته أو الوقوف في وجهه؟ نعم، لكن قبل أن يتحول إلى مارد ويمتلك من القوة ما يكفي، وقبل أن يتغلغل في أذهان الناس ويسيطر عليهم، وقبل أن يعلو صوته، وقبل أن يصير جيوشاً وكتائب تحتل »تويتر« وبقية مواقع التواصل، لكن قبل كل ذلك علينا أن نفهم أن المتطرف ليس فقط ذلك الشخص الذي يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يعلن انضمامه لداعش، أو يزرع متفجرات في مترو أنفاق أو مسرح أو صالة سينما، المتطرف هو ذلك الذي يطالب بقتل الآخر لأنه يخالفه في المذهب، ويطالب بذبح ذلك الشخص لأنه قرأ أو نشر كتاباً يخالف توجهاته الدينية، أو يفجر أولئك الشباب في صالة المتحف لأنه يعتقد أن الرسم حرام أو غير ذلك!
من العقل والأفكار التي يزرعونها في عقولهم يتأسس التطرف وينمو الإرهاب ويتكون الشخص الإرهابي، وهذا ما يجب محاصرته بالتربية السليمة والحوار المنفتح والقراءة المتنورة والمناهج التي تفتح الأذهان على آفاق إنسانية رحبة، إننا نسهم من حيث لا ندري في إعلاء قيمة التطرف حين نستجيب لدعوات المصادرة والحجب والمنع والتحريم دون أن نمحص وندقق ونناقش هذه الدعوات والحملات بفهم ووعي، لأننا نعيد أنفسنا سنين للوراء، نعيد عصر الضعف والغوغائية التي ابتلي بها العالم لزمن طويل، علينا بالعلم والتنوير والعقل الناقد والمناقشة الحرة التي لا تخاف من الرأي الظلامي، ولا تستجيب له، أن نقطع الطريق أمام التطرف في بدايته وإلا فسنندم!
البيان