أختبرت طعم الموت وانا بعد طفل ادني السابعة ،وبقي ما حدث حفر علي جدار ، لا يبلي او يدرس اثره ، اذكر مجلسي ذات ظهيرة الهو مع صغار ، رايت أمي وابي يحملا شقيقي الاصغر (عزو) لعيادة طبيب ، كان مريضا بعلة لم تخرج عن بعض سعال وحمي ، لم أعرهم انتباهه ، وجدتها سانحة لممارسة بعض نشاط لا يسمح به حال وجود الكبار بالبيت فانصرفت لرفاقي ، لم اتشبث بخروجهم علي غير عادتي ، مضت الساعات كان لهونا قد فاض وصحابي للطريق امام المنزل ، عند تخوم الخامسة رايت ابي ينزل من عربة تاكسي ، يحمل شيئا لف بعمامته ، كانت أمي تبكي ، ولا تنوح ، هي سيدة ذات جلد وصبر في متانة الجبال رسوخا ، انزعجت مما رايت ، قدرت ان هناك أمر ما ، ثواني وتقاطر الجيران لداخل المنزل ، تراخت عزائمنا علي اللعب ، تحولنا لشغل في فك شفرة ما يجري ، عندما حاولت التسلل لداخل البيت عجزت وجزعت ، النسوة ينحن بضراوة ، الرجال عليهم محيا صرامة غير معتادة ، والدي يتحرك هنا وهناك ، ملامحه هادئة بلا مؤشر تقيس عليه قياسا ! وكحال اي طفل صرت أطلب امي اقتحمت بعد جهد مرتكز جلوس النسوة امام غرفة اغلقت واحيطت بحذر مخيف ، رايتها امسكت بي تشدني الي حجرها ، سمعت نهنة بكاء منها علي حذو عنقي ، امسكت بي كأنها تخشي فراري لشئ لا اعرفه ، بعدها فعلت بعض الحاضرات فعلها ، اغتسلت بدمعهن ، كتمت انفاسي تحت اثوابهن ، حينما حزت فرجة للانفلات وجدت نفسي عند باب الغرفة ، لسبب ما كان الباب (متاكي) ، دخلت خلسة متسللا مثل طيف ، وجدت (عزو) ممدا علي السرير ، غطي وجهه بغلالة ذات عمامة ابي التي احذق بياضها وملمسها شعرت به نائما ، ومثل اي طفل في الرابعة تحيط به في نومه هالة ملائكية ، كشفت وجهه نظرت اليه في حيرة ناديته باسمه (معتز) ، تحسست جسده كان نديا باردا طريا ، لم يرد بالطبع ، مسحت قدميه ، احسنت مرقده ، طبعت علي خده قبلة وجبينه ، شعرت وربما تخيلت انه تبسم ! لاح علي محياه شئ ما لا اعرفه ثم تراجعت ، لم اكن اعرف معني كلمة موت او ادركها ولكن وقفت انظر ، سال الدمع مني ، تحدر مني علي والحيرة والخوف يتصاعد ، حينها دخل والدي وعمي ، الاخير رقيق الحاشية كان يبكي ضعف ما كانت امي تبكي ، نظرا الي في فزع ، صرفاني بهدوء للخارج حيث اخترت ظلا ، خارج المنزل ، تحلق حولي الصغار في عمري ، محياهم الحزن ، رغبوا في قول البركة فيكم لكنهم عجزوا كنا في سن لا تستبين برتكول التعازي ، وجدت نفسي ابكي فانفجروا باكين معي !
مذاك احسست اني اختبرت الموت وسرت في ظله فلم بعد يخيفني في ذاته لكنه يؤلم داخلي ، رحم الله (عزو) ورحم الله سعد الدين ابراهيم.
الخرطوم
محمد حامد جمعة