قادتني قدماي إلى إحدى الجامعات العريقة .. فوجدت الأكاديميات (مدفوسة) في الشنط الأنيقة بينما يتجلى المكان بالأزياء (المودرن) .. وتحولت القاعات إلى (دوفليه) يقدم آخر ما تفرزه الكريستيان دور و (النيوفاشون) .. ولولا التفاتة عابرة نحو الشارع المثقل بالغبار .. لتصورت نفسي في شارع الشانزيلزية تحاصرني المدن البيضاء بالبهرج.
الثقافة الدخيلة دخلت إلى جامعاتنا بسهولة عبر منفذ الحرية المطلقة .. فتساقطت اعرافنا بحجة التقنية والتكنولوجيا الباهتة.
طالباتنا في الجامعات أصبحن يثقلن كاهل الآباء بأعباء جسام . والوالد المسكين يحقق رغباتهن على مضض لأن ابنته المتعلمة .. التي هي ركازة حياته انقلبت على المبادئ وصارت تلاحق (الموضة) أينما حلت.
فإذا كانت (هشاشة) الفكرة تتمركز حول طالبات الجامعة.. فماذا نقول عن الآخرين.
في مشهد يمتزج ما بين الدهشة والتمرد تباينت في الباحة الكبيرة التي يلتف حولها الطلاب .. المواقف المستفزة والمثيرة فرأينا كلوديا شيفر تتمايل في البهو بأقدام عالية .. واكتاف عارية ترتدي تنورة قصيرة وهي تضحك مع زملائها بلهجة سودانية تمد حروفها وتعطش جيمها.
ورأينا كاردينالي .. وبقية الحسناوات في نسخة سودانية (مستلفة) من بلاد المتجمدات والصقيع ومناطق تغيب عنها الشمس .. والمدهش أن بعض البلوڤرات الصوفية تتحدى درجات الحرارة العالية والمناخ الاستوائي الساخن.
أسواقنا أضحت تستقبل (اسكراب) بارديس ولندن .. وفارق العام أو العامين (تظبط) معدله فارق التقنية التي جاءت إلينا متأخرة بعض الشئ.
مازلت على قناعة بأننا نلبس ونحن في (غيبوبة) لا نقرأ الكلمات المكتوبة على (التيشيرتات).. وكلنا يتذكر عندما ارتدت فتاة جامعية فانيلة مكتوب عليها بخط واضح (I,m fery good in the lred).. والمعنى التحريضي الدعوي واضح لايحتاج إلى شرح.
وأراهن بأن المهووسين بالموضة لايعيرون الكلام المكتوب على الملابس أدنى اهتمام … وإذا أوقفت فتاة وقرأت عليها ماكتب لذابت من الخجل .
ولا أدري هل نوع من السذاجة .. أم الانبهار بالغرب دون وعي.
قبل فترة ظهرت السيدة جول حرم الرئيس التركي وهي ترتدي حجاباً أنيقاً يستر جسدها فبهرت الحاضرين بزيها المحتشم في احتفال ضخم احتضنته باريس مدينة الازياء والجمال.
ويبدو أنها أرادت أن تستفز الزيف المصطنع لايصال رسالة مفادها أن الأناقة لا ترتبط بالموضة .. وأن الاهتمام بالجوهر يلقي القشرة في قارعة الطريق..
فإذا كان (أهل الجلد والرأس) في أوروبا .. صناع الموضة والأناقة يتمسكون بالحشمة والعفاف . فلماذا نلهث نحن خلف (سواقط) ما تقدمه لنا الشركات العالمية من (هوامش) تستغل فيه (غباؤنا) لتحقيق الربحية ليس إلا.
الحديث عن القيم .. وعن توب الزراق .. والسبب الحماني العيد .. وغيرها من الازياء السودانية التي تناسب أذواقنا وسلوكياتنا يصبح مجرد كلام إذا لم نحسه.
وفي جامعاتنا العريقة يجب أن نبدأ.. لأن (الموازين الشتراء) أجبرتنا على البداية بالمقلوب.