هنالك فرق كبير، بين التصريح السياسي الذي يدلي به مسؤول أو معارض للصحافة، وبين التهريج الذي يطلق على الهواء دون حساب، وغالباً ما يكون مردوده الاستهجان.
التصريح السياسي، ينم عن ثقافة ودقة وسعة مُطلِقُة؛ فهو يقوم على رؤية، وينهض على حسابات، وتكون لغته من صُلب اللسان السياسي بمفردات تلهم القارئ أو السامع، وتجعله مقتنعاً بمدلول النص ومفتتناً بسحره، ومدافعاً عنه إذا اقتضى الأمر.
أما التهريج السياسي، فهو يقوم على انفلات يستهدف الموضوعية ويتجاوزها، ويجعل بينها وبينه عداء مستحكما. هو تعبير عن لا شعور يمليه الحنق ويصوغ مفرداته الحلم والأماني، فينتهي إلى رغو ناعم الملمس وإلى زبد أبيض، وهذا ما أطالعه يومياً عبر تصريحات كثيرة.
مثل هذه التصريحات، تجعل السياسي مثل الصحيفة الرياضية الهابطة، يشتريها الجمهور ليطالع أعمدة ركيكة وأخباراً «مضروبة»، ثم يمضي بها الجمهور نحو «الاستاد» منذ الظهيرة، ليستظل بها من الشمس. وحين تبدأ المباراة ويحرز فريقه هدفاً، يقوم بإحراقها!
مصير ومستقبل مثل هؤلاء مثل مصير هذه الصحيفة، التي تنتهي بطقس «بوذي» يتجدد في المباراة الثانية. ولا أدري كيف يتعايش هؤلاء المهرجون مع هذه الفكرة لأمد مفتوح، بدءاً بدخولهم العمل السياسي من بوابة الزعيق، وحتى اليوم، دون مراجعة للتجربة لتطويرها سلبياً أو مدها ببعض المفردات التي تجعلها سلسلة مع الاحتفاظ بجوهرها المهرج؟!
رُوِيَ أن ليلى الأخيلية مَدحت الحجاج بن يوسف فقال: يا غلام اذهب إلى فلان وقل له يقطع لسانها عني، قيل فطلب حجّاماً لقطع لسانها فقالت ليلى: ثكلتك أمك إن الحجاج أمرك أن تقطع لساني بالصلة. فلولا تبصرها بأنحاء الكلام ومذاهب العرب والتوسعة في اللفظ، لتم عليها جهل هذا الرجل. قال الإمام فخر الدين الرازي في «حد البلاغة»، إنها بلوغ الرجل بعبارته كنه ما في قلبه، مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل، ولهذه الأصول شعبُ وفصول لا يحتمل كشفها.
(أرشيف الكاتب)