نجح التلفزيون التركي (TRT) ومن خلال قناته العربية ومذيعته المتمكنة اللامعة “هاجر بن حسين” التي تعد وتقدم أحد أكبر البرامج التلفزيونية التركية، والذي يحمل اسم (قهوة تركية).. نجح التلفزيون ومذيعته التي (ذاكرت) كثيراً في ما يبدو قبل أن تدخل هذا الامتحان الشامل لتحاول من خلاله الإجابة عن الأسئلة الصعبة، وهذا ديدنها الذي اكتشفته بعد أن راجعت عدداً من الحلقات الخاصة بهذا البرنامج على (يوتيوب).
من أبجديات العمل الإعلامي الحواري والاستقصائي ضرورة التعمق في القضية مثار الحوار أو المتابعة بأكثر من زاوية، والتعامل بفرضية إجابات محتملة للضيف لمراجعته حولها وبسرعة لا تمكنه من التقاط الأنفاس، حتى يستبين للمشاهد أو المستمع خيط الحقيقة الأبيض، من خيط الاختلاف المفاجئ حال ارتباك الضيف.
حقيقة.. المذيعة “هاجر بن حسين” لم تنجح هي وحدها، بل الذي صحح لها ذلك الامتحان ومنحها الدرجة شبه الكاملة فيه كان هو الأستاذ الدكتور “إبراهيم أحمد عبد العزيز غندور” وزير خارجية السودان الحالي، وطبيب الأسنان المختص، النقابي والسياسي المتمرس المعروف اختصاراً بين منسوبي حزبه بــ(بروف غندور)، فقد نجحت مقدمة البرنامج تماماً في أن قامت بعدة محاولات لفرض حصار على ضيفها رغم ابتسامتها الصافية وكلماتها الضافية، لكن البروفيسور “إبراهيم غندور” لم يقع في فخاخ الأسئلة الذكية، وتجاوز الشراك الملغومة حول كثير من القضايا، وأهمها نظرته وتقييمه للقمة الإسلامية الأخيرة التي انعقدت في (إستانبول) عندما قال إنها انطلاقة نحو الوحدة والتضامن والسلام، وإشارته الذكية إلى أن السودان أقوى مع الجماعة، وأن قضية فلسطين ستظل هي القضية المحورية في العالمين العربي والإسلامي، وأنها لم تتراجع في الوجدان العربي الشعبي، حتى وإن كانت قد تراجعت على المستوى الرسمي والحكومي في بعض الدول.
برنامج (قهوة تركية) تناول القضايا الحقيقية التي هي من اهتمامات أي وزير خارجية، خاصة تلك القضايا المرتبطة بالشأن العربي والإسلامي مع عودة للخصوصية في الشأن الداخلي وعلاقات السودان الخارجية، وقد أجاب إجابة ذكية عندما سألته مقدمة البرنامج عن ثورات الربيع العربي ليقول إن كثيرين أردوا لها أن تجهض وأن تتحول هذه الثورات إلى ما يشبه مشروع فوضى عارمة تعم كل المنطقة، وضرب مثلاً لذلك بما يحدث في العراق وليبيا وسوريا واليمن، مشيراً إلى أن حكمة القيادة التونسية أنقذت البلاد من تلك الآثار السالبة بتدارك الأمر قبل أن يقع.
أما أخطر ما تناوله اللقاء الذي وجدت نفسي أتابعه لحظة بلحظة وكلمة وراء كلمة، فهو ما قال به البروفيسور “غندور” حول قضية مثلث (حلايب – شلاتين – وأبو رماد)، فقد كان واضحاً ثابتاً عند موقفه من سودانية (حلايب)، كاشفاً عن الأسباب التي قادت إلى أن تضع مصر يدها بالكامل على المنطقة إبان عهد الرئيس المصري الأسبق “محمد حسني مبارك”، وقال إننا نريد أن يظل النيل دائماً رابطاً بين بلدينا الشقيقين.
الحلقة باختصار كانت ممتازة، بل أكثر من ذلك وتستحق المشاهدة، وليت أحد صحفيينا الشباب نقلها إلى قراء (المجهر السياسي) من الشاشة إلى الورق.. ففي ذلك خير كثير.. أو هكذا ينبغي أن يكون.