“لا تطمعوا بالكهرباء فأنها ترفٌ يذكركم بدنيا فانية/ أسلافكم عاشوا حياتهم بأنفس راضية/ لم يقتنوا ثلاجة لا صحن دشٍ في سطوح عالية/ فاخشوشنوا حتى تدوم بعزة نعمائكم ودعوا الحياة كما هي/ المترفون سيصطلون بنارها ومعدموها لهم جنان زاهية/ لا تزعجوا حكامكم بمطالب ناءت عنها الجبال الراسية/ والغاز والبنزين شر مطلق، حيث التلوثُ قد يعمُ ديارَكم وهواءَكم وكذا السماءَالصافية”.
إنه الشعر، حتى ولو كان مُباشرًا، يظل مُحتفظًا بقوة تأثيره ونفاذه، ولأننا كتبنا كثيرًا حتى مللنا، عن سوء التدبير والتخطيط الذي تتسم به إدارة الخدمات الحيوية اليومية من صحة وتعليم وماء وكهرباء، ولم يستمع إلينا أحدهم، قررنا أن نستعير من الشعر ما قد يُحدِث أثرًا ما، على هؤلاء، فإذا حال دونه وآذانهم وقرها، فليستمتع به القارئ، ولنا أجر ذلك، ولشاعر القصيدة العراقي أجران، وثالث لأننا نسينا اسمه.
والحال، إن السدود التي أُنشئت، والهالة والهيلمانة والتصريحات التي رافقت ذلك إبان إدارة أسامة عبد الله، بشكل خاص، حيث صرّح الرجل، وغيره من المسؤولين، بعيد افتتاح سد مروي في العام ٢٠٠٩ أن مشكلة الكهرباء في البلاد قد حُلت جذريًا بل إنها ستصدر فائضها إلى الجوار، لكن وبعد نحو سبع سنوات على تدشين مروي تفاقمت الأزمة واستفحلت وتمددت، فالوزارة عاجزة عن إمداد القطاع السكني دعك عن الإنتاجي (الزراعي والصناعي)، وبدل أن نصدر صرنا نستورد 100 ميقاوات من إثيوبيا، بحسب ما هو معلن، وربما ما خفي (أكبر).
لكن، وللحقيقة، فإن خليفة أسامة عبد الله، الوزير الحالي معتز موسى، لم يمضِ في طريق سلفه، إذ ظل يؤكد دومًا، بأن أزمة الكهرباء لن تُحل قريبًا، لذلك فإن وزارته ماضية في برمجة القطوعات، إلا أن صراحته هذه لابد أن تؤخذ بحذر، طالما ظلت أسباب عجز السدود وفشلها في الإيفاء بكهرباء مستقرة مخفيّة و(مُطبطب) عليها، هذا غير أن الوزير نفسه دأب في أحايين ومناسبات عديدة على بعث (تطمينات) يفهم منها بأن (القطوعات) المستمرة، محض سحابة صيف و(ستعدي) عاجلاً غير آجل، وإلا كيف نفهم ما قاله عند افتتاح محطة أم دباكر للتوليد الحراري بولاية النيل الأبيض التي قبل أن سعتها تبلغ 500 ميقاواط، وقيل أيضًا إنها ترتبط بالشبكة القومية عبر ثلاثة خطوط نقل بجهد 220 كيلو فولت أحدهما لجبل أولياء لربط الخرطوم، والثاني للرنك لربط جنوب السودان، والثالث للأبيض لربط كردفان ودارفور الكبرى، حين قال إن الحكومة ستواصل جهودها لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في إيصال الكهرباء لكل (المدن والقرى)، فاستبشر الناس – كعادتهم – خيرًا، لكنهم وكعادتهم أيضًا (اكتشفوا) متأخرين جدًا، بأن لا جهود ولا تخطيط ولا تصدير، بل خبط عشواء واستيراد وقطوعات.
إلى ذلك، فإننا نكتب هذا كله، من أجل أن نشكر المواطن المؤمن، على حسن استماعه لتصريحات المسؤولين وتصديقه لها، فالمؤمن صدِّيق، كما تعرفون، ولأن الشعب السوداني (مؤمن جدًا)، فإنه صدّيق جدًا، وإلا كيف صدق الجميع السيد جودة الله من جهة (الموية)، عندما قال إنهم بصدد تصدير (مياه النيل) للخليج، فيما تموت ضفاف النهر العظيم من الظمأ وتغرق في الظلمة الحالكة. لكن هذا لا يهم، باعتباره ترفًا زائلًا وعرضًا دنيويًا فانٍ، فعودوا إلى فوانسيكم وقناديلكم وأثافيكم وأخراجكم، تقبلوا أقداركم بنفوس راضية مرضية، فذلك هو الإيمان الحق.