لو أننا تدبرنا المشهد السياسي الراهن بكل خصوماته التقليدية، ومراراته الشخصية، وأحقاده التأريخية، وخلافاته السياسية، وفكرنا في كيف سنتجاوز كل هذه التراكمات والتركات الثقيلة، بلا أدنى شك فإننا سنجد أن الحل كله يكمن في تطبيق “مبدأ” واحد فقط، وما استفحلت الأزمات السياسية واستعصى علاجها إلا لغياب تلك “القيمة” الإنسانية..
التأريخ القديم والحديث يرويان لنا أن أي جماعة من الناس تصل لسدة الحكم تعمل سيفها في رقاب الخصوم وتنكل بهم وتزج بهم في السجون والمعتقلات، وتضيق عليهم، وتسلب حقهم في العمل العام بمؤسسات الدولة فيما يعرف بالصالح العام، بهدف تركيع الخصوم، وتفعل السلطة الجديدة كل ذلك لسببين: الأول بدافع الانتقام وتصفية حسابات سياسية قديمة، والثاني لتأمين نظام الحكم الجديد و”التمكين” لمنسوبيه.
ونتيجة لذلك يشتعل الحقد في النفوس، ويتحول الغبن إلى بركان يتحين فرصة الانفجار والانتقام في أية سانحة تلوح حتى لو كانت هذه “السانحة” أشبه بحمل كاذب، ويتحول الخلاف السياسي إلى حقد سياسي لا يطفيء نيرانه إلا الانتقام..
وعندما تلوح الفرصة ل”المقهورين”، تراهم ماذا يفعلون؟ أتراهم يكرمون مثوى جلاديهم ويربتون على أكتافهم؟ أم أتراهم يقدمون لهم القرابين والمودة ويضعونهم على أعلى المناصب الدستورية؟.. كلا سيفعلون في خصومهم أسوأ مما فعلوا بهم، وسينفثون سموم الحقد والانتقام، وهكذا ستظل ساقية التنكيل بالخصوم تدور بلا رحمة تحركها دوافع الانتقام والفجور في الخصومة وتحصد لها السلطة الموارد العامة للاستقواء بها على اضطهاد الخصوم، ويتكرر هذا السيناريو مع ميلاد كل عهد جديد، قهر وانتقام يتبادلان موقع الجلاد.. لكن السؤال ما الحل لهذه الحالة السياسية المرضية التي تحرك مكامن الغبن، وتذكي نيران الخصومة السياسية؟..
حسناً.. ترى لو أن الذين تدين لهم السلطة وتستسلم ركائب الحكم في قبضتهم، أدركوا مدى عظمة قيمة “التسامح”، وطبقوها عمليا كما فعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حينما بسط سيطرته على “مكة” التي نكلت به، واضطهدته وارتكبت أبشع أنواع الفظائع في حق اتباعه، أترى لو أن القادمين للحكم تأدبوا بأدب الحبيب المصطفى وتأسوا به واقتدوا: “أذهبوا فأنتم الطلقاء” هل كان سيبقى غل في صدور خصومهم وهم يخجلونهم بالتسامح والعفو عند المقدرة.. أجزم أن القادمين لأي سلطة لو طبقوا مبدأ التسامح تعظيما لله واقتداء بحبيبه المصطفى لتعافت السوح السياسية الإسلامية كلها من هذه الأمراض التي فتكت بالأمة وأذهبت ريحها..
كلكم يذكر منتج الفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم “أرنود فان دورن” نائب رئيس الحزب الحاكم السابق في هولندا، الذي أعلن إسلامه في 27 فبراير من العام 2013 أي بعد عام من فيلمه المسيء، قال الرجل إن أكثر ما حرك مشاعره وهز كيانه ودفعه لاعتناق الإسلام هو العفو والتسامح الذي أظهره النبي “محمد” لأهل مكة الذين عذبوه وأخرجوه من بيته حينما فتحها، وأضاف رجل كهذا تفيض نفسه بالتسامح والعفو لا يمكن أن يكون سفاحا وقاتلا كما صوروه لنا قبل التعرف عليه وعلى دينه المتسامح.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.