أعرض عليكم اليوم مشهداً مؤلماً يحكي عن كيف تردت أخلاق بعض طلابنا الجامعيين، لكن هل هم طلاب أم متمردون أوباش ما بلغوا تلك الدرجة من الانحطاط الأخلاقي إلا بسبب ضعف الدولة التي تهاونت في ردع أمثالهم حتى غزوا جامعاتنا تحت غطاء وهمي أظهرهم طلاباً وما هم بطلاب ورب الكعبة، بقدرما هم متمردون لا يختلفون عن أولئك الذين يتصدى لهم جنودنا في جبهات القتال .
قبل أن أحكي لكم ما حدث للعالم الفيزيائي الجليل عبدالملك عبدالرحمن المدير الأسبق لجامعة الخرطوم دعوني أمهد لحديثي بالفقرات التالية.
كنت قد أشرت إلى بعض ممارسات الطلاب المتمردين الذين انتشروا في كل الجامعات السودانية يخربون بيئتها ويروعون طلابها وطالباتها ويحرقون مكتباتها ومعاملها وأثاثاتها ويتسببون في إغلاقها الشهور ذات العدد محملين الكثرة الكاثرة والأغلبية الكبرى من الطلاب الذين لا علاقة لهم بما يحمله أولئك الطلاب من سخائم وغبائن وأحقاد .. محملينهم وزر أفعالهم وجرائمهم بالرغم من أن أولئك الطلاب المتمردين يدرسون بالمجان، وذكرت أمثلة صارخة على حالة الانفلات الأمني والغفلة المؤلمة التي تبيح لحركات متمردة تشن الحرب على الدولة بأن تتمرد في قلب الخرطوم وتعيث فساداً وإفساداً وترويعاً وكأن الدولة قد انهارت أو كأن الخرطوم أصبحت جزءاً من العاصمة الصومالية مقديشو .
عشنا ورأينا بأم أعيننا كيف تجرأ أتباع ذلك المتمرد البغيض عبدالواحد محمد نور وأقاموا معرضاً في إحدى الجامعات في قلب الخرطوم وضعوا فيه صوراً لشهداء من ضباط وجنود القوات المسلحة السودانية الذين قتلهم متمردو عبدالواحد وعصابات التمرد الأخرى مظهرين شماتة وفرحاً بمقتل أولئك الأبطال من جنودنا الأشاوس .. نحمد الله أن طلابنا تصدوا لهم وأوقفوا عبثهم ولكن ماذا فعلت الدولة لقطع دابر تلك المهازل إلى الأبد.
بروف عبدالملك عبدالرحمن فيزيائي معروف يعتز به السودان ويذكر كلما ذكر العالم الفيزيائي الشهير الآخر محجوب عبيد طه .. أترككم معه يحكي لكم (بعظمة لسانه) أنموذجاً لقلة الأدب التي تردت إلى دركها السحيق بعض مكوناتنا وقوانا وأحزابنا السياسية، وكيف ضربه طالب متمرد في رأسه، وكيف وكيف وكيف ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
=========
بينتُ في رسالة صباح اليوم ملابسات تصرفات بعض الطلاب المحسوبين على الجامعة ويبدو أن أحداً من الناس أزال ما كتبته بالأمس، حاول بعض الطلاب إيقاف محاضرتي مع طلاب خامسة فيزياء بهتافات عند باب قاعة المحاضرات تشق عنان السماء بدعوى أنهم معتصمون فدعوتهم للتحدث للطلاب ليقنوعهم بقضيتهم، ولما لم تجد دعوتي صدى لديهم أخبرتهم أن إيقاف المحاضرة مستحيل، كما أخبرهم طالب من متلقي المحاضرة أنهم غير مشاركين في الاعتصام فانصرفوا وهتافاتهم تشق عنان السماء مرة أخرى . اليوم ذهبت لمبنى كلية العلوم فلحظت تجمهراً لطلاب حول مركز امتحان معمل قسم علم الحيوان يهتفون في محاولة واضحة لتخويف الطلاب من دخول الامتحان، وعلمت أنهم فصلوا التيار الكهربائي حتى لا ينعقد الامتحان وأهانوا مسؤولين في الكلية. أغضبني ذلك، رأيت طالباً ينقل أخباره ” السارة” من الطابق الثالث حيث مركز الامتحان – أخبار سارة بإفلاحهم في وقف الامتحان وصفق طلاب على الأرض كانوا ينتظرون هذه الأخبار ” المفرحة”. أمسكت بالطالب سائلاً ماذا يفعل ومن هو؟، فحاول أن يفلت، ولما لم يستطع (لدهشته) ضربني زميل له يقف خلفي على رأسي فهرب صاحبنا.
أود أن أقول ما يلي:
أولاً : الطلاب الذين قادوا هذه الفوضى من خارج كلية العلوم، وقد اعتذر لي جميع طلاب كلية العلوم خطياً وأنا أحترم اعتذارهم وأقبله وأعفو عنهم جميعاً.
ثانياً: ضربة الرأس كانت خفيفة والحمد لله، وأنا بألف خير وليس هناك مبرر لأي قلق.
ثالثاً: محاولات وقف المحاضرات والامتحانات بالشكل الذي وصفته عار على طلاب الجامعة فضلاً عن أنه أسلوب غير ديمقراطي يعتمد على الإرهاب اللفظي وتخويف الطلاب خاصة الطالبات ويسيء للجامعة.
رابعاً: أنا بخير والحمد لله ومحاضراتي تظل قائمة ما رغب طلاب فيها وهذه هي الديمقراطية الحقيقية.
آخر الكلام:
بعض الناس يتحدثون عما يسمونها ” الجميلة ومستحيلة ” – الأرجح أنهم يقصدون بذلك ديار ليلي-
وما حب الديار ملكن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
جامعة الخرطوم ما أصبحت جميلة بديارها .. بل بتقاليدها وتميز علم وأخلاق من سكنها ويسكنها . الذين ينصبون أنفسهم أوصياء عليها من دون آخرين هم عابرون لبضع سنين لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة مقارنة بمن قضوا كل سنوات عمرهم فيها. هذا غرور في رأيي فتواضعوا يا هؤلاء يرحمكم الله.
انتهى
هذه أنفاس عالمنا الجليل فهل تحرك هذه الكلمات الموجزة شيئاً من تأنيب الضمير لدى طلابنا ولدى قوانا السياسية التي باتت تخلط الحابل بالنابل مستدبرة قيماً وأخلاقاً نخشى أن تطوى في تلافيف صراعاتنا التافهة والصغيرة؟.