يعاني المواطنون في السودان من انقطاع في التيار الكهربائي يصل لأكثر من ثماني ساعات في اليوم. وأعلنت الشركة السودانية لنقل الكهرباء أن هذه الحال ستستمر من أجل توفيرالطاقة لشهر رمضان.
ولم تصدر أي تصريحات من المسؤولين حول المدى الزمني لاستمرارية القطوعات، لكن مركز التحكم القومي بالشركة السودانية لنقل الكهرباء، أعلن شروعه في إبطاء السحب اليومي من بحيرات السدود، وذلك تحوطا للحاجة الكبيرة للتوليد الكهربائي في شهر رمضان المقبل. وعزا ذلك لتذبذب إيرادات نهر النيل هذا العام.
وطالب مركز التحكم المواطنين بترشيد استهلاك الكهرباء وإرجاء الاستخدام غير الضروري لأوقات لا يكون فيها الاستهلاك كبيرا، والاكتفاء بالضروريات في وقت الذروة.
وقال المركز إن القطوعات التي تحدث حاليا تهدف للحفاظ على الكهرباء في أوقات الذروة، مبينا أن مناسيب النيل الحالية سجلت أقل إيرادات منذ أكثر من 100 عام. وأرجع هذا الأمر للجفاف في الهضبة الإثيوبية خلال موسم الأمطار السابق.
وفورا انتشرت مداخلات ساخرة على مواقع الإعلام الاجتماعي، ابتدع في إحداها خطاب لرئيس الجمهورية يقول فيه: «أيها المواطنون: ترشيدا للاستهلاك، يرجى عدم الرد على تحية «صباح الخير» بـ«صباح النور». ومقطع آخر يقول فيه أحد الأشخاص متقمصا دور وزير الكهرباء: «نحن نقطع الكهرباء لأنّ السودان منوّر بأهله»!
وقال آخر على «فيسبوك» إن قطع التيار «سيتم فقط فترتي الصباح والمساء: القطوعات الصباحية من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء، والقطوعات المسائية من الثامنة مساء حتى الثامنة صباحا».
وانتشرت شائعة قوية بزيادة تعرفة الكهرباء، الأمر الذي جعل مجلس الوزراء يسارع إلى نفيها. وكانت ولاية الخرطوم قد رفعت تعريفة المياه في شباط / فبرايرالماضي بنسبة ٪100، وتؤثر هذه الزيادة على شراء الكهرباء، لأن (شركة) الكهرباء تشترط دفع رسوم (هيئة) المياه – مسبقا – للحصول على التيار الكهربائي.
وقال عبد الرحمن علي، وهو صاحب بقالة، إن محله يعتمد على وجود الكهرباء بشكل دائم، إذ يعمل في مجال السلع والمواد الغذائية التي لا تتحمل غياب الطاقة الكهربائية وتتعرض للتلف، وبالتالي فهو يتعرض لخسارة كبيرة متى انقطع التيار.
وقال أيوب الطيب، وهو صاحب ورشة لتصنيع الأثاثات، الشيء نفسه، مضيفا أنه ظل يفشل في الإيفاء بالتزاماته بسبب الانقطاع المتواصل للتيار. وأشارت مريم صالح (ربة منزل) إلى أن الحياة في البيوت صارت جحيما بسبب انقطاع الكهرباء، الذي يتبعه انقطاع أيضا في خدمات المياه، وقالت إن تعطل الأجهزة الكهربائية «يجعل البقاء في المنازل شبه مستحيل».
ويقول الطاهر بكري، عضو اللجنة القومية لشؤون المستهلكين ورئيس لجنة التوعية والإعلام، إن انقطاع التيار الكهربي أصبح يشكل هاجسا للمواطنين، خاصة في فصل الصيف. وأشار إلى أن الحكومة طمأنت المواطنين إلى أنهم سيعيشون صيفا بلا قطوعات في هذا العام بعد زيادة أسعار الكهرباء بنسبة كبيرة جدا لتوفير تكلفة التشغيل. ويضيف أن الشعب صبر على هذه الزيادة لأهمية الكهرباء واستحالة حياة الناس بدونها.
ويقول إن الحكومة لم تف بوعدها، وتواصل مسلسل غياب الكهرباء بصورة مزعجة جدا رغم ان الحكومة ظلت تستلم أسعارها مقدما وبالزيادة التي فرضتها، مما ادى لتعطيل العمل في المستشفيات والصيدليات وورش التصنيع وحتى إشارات المرور في الشوارع والبقالات وتعطلت الأدوات الكهربائية في المنازل مع ارتفاع كبير جدا في درجات الحرارة.
ولا يرى الطاهر بارقة أمل في إصلاح الحال، نسبة لتضارب المعلومات، وعدم وضوح التصريحات وغياب الشفافية في مجال تشغيل الكهرباء. ويضيف أن التصريح الذي صدر مؤخرا بأن منسوب النيل هو الأقل في المئة عام الأخيرة غير صحيح وتكذبه هيئتا الأرصاد في أثيوبيا والسودان. ويخلص إلى أن الأمر يحتاج إلى ضغط شعبي وإعلامي لمعرفة الحقيقة وإخراج الشعب من دوامة العذاب التي يعيش فيها يوميا وهو مقبل عل شهر رمضان.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد افتتح قبل شهرين محطة أم دباكر للتوليد الحراري بمدينة كوستي. وتبلغ سعتها 500 ميغاوط، وتعدّ أكبر محطة توليد كهربائي من الطاقة الحرارية، وتبلغ تكلفة المحطة 457 مليون دولار، وساهمت الهند في تنفيذها بتوفير التمويل، لكن افتتاح المحطة لم يغيّر واقع الحال.
وفي 2009 افتتح الرئيس البشير سد مروي بكلفة تجاوزت ملياري دولار، وشدد على أنه سيولد كهرباء تكفي كل السودان، غير أن وزير الكهرباء معتز موسى أقر أمام البرلمان في كانون الأول / ديسمبر الماضي بعجز يصل إلى650 ميغاواط وتنبأ بنقص كبير في الصيف وهو ما حدث بالفعل.
صلاح الدين مصطفى
الخرطوم ـ «القدس العربي»