أكثر الطغاة طغيانا، لن يستطيع- إطلاقا- أن يسجن فكرة. لن يستطيع- إطلاقا- أن يكتم أنفاس فكرة، أن يخنق فكرة!
الفكرة- خاصة فكرة الحرية- لا تُسجن، ولا تُقتل، ولا تُغتال.
التاريخ يبصُم، على ما أقول بالعشرة.. ويبصُم بالعين!
أحد الطغاة، بث إعلانا لتوظيف سجّان للفكرة. لم يتقدم أحد.
بث الإعلان، مرات ومرات.. وفي واحدة من هذي، تقدم أحدهم، فتهلل وجه الطاغية، ورفّ فمه:
– أأنت تستطيع أن تسجن فكرة؟
تهلل وجه الطاغية أكثر: يالك من رجل خطير. أنت الذي ظللتّ أبحث عنه!
– شكرا يا سيدي.
– الآن، قل لي ما تطلب.
– زنزانة، وبندقية يا سيدي، وإذنا بالدخول.
تلك هي البندقية. الزنزانة جاهزة.. ويبقى الإذن.. وهو لك مني، على الفور!
شكرا يا سيدي.. الآن، دعني أدخل إلى مخك، لأحرس لك في زنزانة فكرتك هذه الجهنمية: فكرة أن تسجن الفكرة!
نظر إليه الطاغية شذرا، ومخه يرتعد، من فكرة رجل يدخل عليه ببندقية، ليحرس الفكرة التي بث الإعلان عنها، مرات ومرات، ولم يتقدم أحد إلا.. إلا هذا المعتوه!
– أنت مجنون!
– لا يا سيدي.. إنني في كامل عقلي!
– بل أنت معتوه.. وأنا سأصير معتوها مثلك، كيف تستطيع الدخول إلى مخي أصلا.
هنا، قال السجان مع وقف التنفيذ: أيوااااااا يا سيدي: كما لا أستطيع أن أدخل مخك، فإنه ليستحيل عليَّ، أن أدخل أمخاخ غيرك، لأسجن الأفكار التي تحوم فيها، أو أرديها بطلقة!
الطغاة لا يتعلمون شيئا، على الإطلاق.
رحل ذلك الطاغية، إلى مزبلة التاريخ.. وجاء طغاة، كل واحد منهم، يحاول أن (يتربس) الأفكار في زنزانة، يقف أمامها سجان، إصبعه على زناد بندقية، ووجهه مخشوشن الملامح، و… تفشل المحاولة، من بعد محاولة.. من بعد محاولات!
الطغاة ما زالوا يحاولون، طاغية من بعد طاغية.. ولم يستطع أي منهم، أن يسجن فكرة، أو يحبس أنفاسها، أو يغتالها بطلقة، أو يلف حبلا غليظا حول رقبتها، ليطقطق فقرات عنقها وفقرات عظام ظهرها، والمشنقة تصرخ صرختها الهستيرية!
ستظل الأفكار طليقة..
وستظل الزنازين للطغاة!