ما إن تسقط طائرة في أي بقعة في الدنيا.. فأول ما يعقب إعلان عن السقوط تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث.. إلا في السودان.. حيث ينتهي الحدث بالترحم على من فقدوا أرواحهم في الحادث.. باعتبار الأمر قضاء وقدرا.. وربما ابتلاء.. غير أن حادثة تحطم الطائرة العسكرية في مطار الأبيض.. والتي أعلنت قيادة القوات المسلحة أنها جاءت نتيجة خلل فني.. لم تنته النهاية التقليدية.. فقد كانت ثمة مفاجأة في الانتظار.. وهي إعلان الجيش الشعبي وهو الجناح العسكري للحركة الشعبية – شمال – عن قصفه للطائرة مع تأكيدٍ يبلغ حد الجزم.. أنها سقطت جراء ذلك القصف.. ظلت الحركة ولسنوات طويلة.. وباعتراف الحكومة في أكثر من مناسبة.. تسجل حضورا إعلاميا ملحوظا.. فالمعنى المقابل للعبارة الحكومية المألوفة أن.. الحركة لا وجود لها إلا في الإعلام.. هو أن الحركة موجودة في الإعلام.. ولكن يبدو أنه.. ما في كل مرة تسلم الجرة.. فرواية الحركة عن قصفها لطائرة كانت تقصف المدنيين فسقطت في مطار الأبيض.. تبدو هشة وغير متماسكة لعدة أسباب منها الشكلي والموضوعي.. فشكلا كان.. وسيظل عنصر الزمن قاتلا في هكذا مواقف.. فقد انتظرت الحركة طويلا وبعد الإعلان الرسمي عن سقوط الطائرة لتقول إنها هي من أسقطتها.. أيضا أول ما يفكر فيه المراقب حين يسمع بيان الحركة.. هو متى وأين قصفت الحركة الطائرة..؟ والإجابة سهلة وميسورة.. ولا تحتاج إلى بيان آخر من الحركة.. فأقرب معاقل الجيش الشعبي إلى نقطة سقوط الطائرة.. مطار الأبيض.. يبعد بنحو مائة وخمسين كيلومترا إلى الجنوب الغربي.. وهي نقطة ثمة شك عظيم أن تتوفر فيها أسلحة ثقيلة مثل مضادات الطائرات.. بل الأرجح أن تكون جيوبا محدودة.. وحتى لو تم التسليم بأن القصف قد تم على بعد مئة وخمسين كيلومترا من المطار.. فهذا يعني أنه كانت أمام الطيار مساحة كافية لينجز فيها هبوطا اضطراريا.. فلِمْ.. إذن.. غامر بالطيران بطائرة مقصوفة..؟ بل ليس هناك ما يشير إلى أن مطار الأبيض أو أية جهة أخرى قد تلقت نداء استغاثة من الطائرة.. الأغرب من كل ذلك أن الطيار كان قد وضع الطائرة في مسارها الصحيح استعدادا للهبوط.. فعبر المدينة شمالا ثم جنوبا.. ليهبط عكس اتجاه الريح.. أي أنه كان يتصرف بشكل طبيعي ولم يكن تحت أية ضغوط.. عليه.. تنشأ جملة علامات استفهام حول تبني الجيش الشعبي عملية سقوط الطائرة..!!
تصدر الحركة بيانا آخر ردا على بيان أصدره جهاز الأمن والمخابرات الوطني عن عملية نوعية أنجزها.. تقول الحركة.. (من جهة أخرى نعلن هروب أسرى جهاز أمن النظام من مناطق الجيش الشعبي بمنطقة جلد بمقاطعة الدلنج في إقليم جبال النوبة.. جنوب كردفان بعد أن ساعدهم حارسهم الليلي الرقيب.. عبدالحق محمد سعيد الذي انضم للحركة الشعبية في 2011م وكان عميلاً للأمن.. الهروب تم بالليل من المعسكر إلى مناطق الحكومة ولم تكن هنالك أي عملية إنزال).. يبدو أن هذا يوم نحس الحركة.. جهاز الأمن يتحدث عن عملية نوعية.. والحركة تنفي.. ولكنها تعود لتعترف بأن منسوبا للأمن اخترق صفوفها وظل هناك دون أن تكتشفه أجهزة الحركة لأكثر من خمسة أعوام.. أيعقل هذا..؟ بل وتبلغ دقة الاختراق أن يكون هذا العميل محل ثقة الحركة فيكلف بمهام كبيرة مثل حراسة أسرى.. كان هو واحدا منهم يوما ما.. هذا إن صح زعم الحركة..!
فكيف.. إذن.. تكون العملية النوعية إن لم تكن كذلك؟.. في تقديري أن ما ورد في بيان الحركة.. يعطي جهاز الأمن قدرا وقدرات ومزايا أفضل بكثير مما ورد في بيان الجهاز نفسه.. إنهما هدفان في مرمى الحركة هذا الأسبوع..!
غدا: قيادي وصحفي إسلامي.. يبرئ حميدة ويدين جماعته!