لفقر المدقع الذي ظل يكابده سكان منطقة أعلى نهري عطبرة وستيت، جعل سكانها يرحبون بتهجيرهم منها املاً في حياة جديدة وفرها لهم انشاء سدين على النهرين.
تقول درية الزاكي التي هُجِرت مع اهلها وجميع سكان قريتها القديمة الوقعة على الضفة الغربية لنهر عطبرة، بتعبير سوداني بسيط “قريتنا القديمة الكريدة إن شاء الله تطير” وهي تقصد بذلك أنها تتمنى زوالها واختفائها بعيداً حتى لا يعود لها اثر، بعد ان غمرتها مياه بحيرة سد أعالي نهر عطبرة.
وتعبر درية وهي ربة منزل وأم لخمسة ابناء بذلك أيضاً عن سعادتها وسرورها في موطنها وقريتها الجديدة (الفتح) وهي أحدى القرى التي تم تأسيسها ضمن مشروع سدي عطبرة وستيت لتهجير آلاف السكان الذين ستغمر مياه السدين قراهم القديمة.
وتضيف درية وهي تضحك لدينا في القرية الجديدة بيت واسعٌ وكبيرٌ ومبني على النمط الحديث، ولكن ما هو افضل لدينا شبكات للمياه النظيفة والنقية والكهرباء توفر لنا هاتين الخدمتين باستمرار. وهو ما كنا نكابد من أجل الحصول عليهما ولا يتوفر لنا في قريتنا القديمة، مضيفة لست آسفة على الاطلاق لتركها.
يقع المشروع على أعالي نهرى عطبرة وستيت ، ويبعد حوالي20 كلم أعلى النهر من ملتقى النهرين و80 كلم جنوب خزان خشم القربة ، و30 كلم من مدينة الشواك حيث يقع بجزيئيه بمحليتي قلع النحل في ولاية كسلا والفشقة بولاية القضارف .و يشمل المشروع، الذي يمتد في ولايتي القضارف وكسلا، إنشاء سدين متصلين وملحقاتهما على نهري أعالي عطبرة وستيت مع محطتين لتوليد الكهرباء.
ويتكون من جزئين اساسيين هما سد أعالي عطبرة بإرتفاع 58 متر. وسد ستيت بإرتفاع 55 متر بطول كلي يبلغ 13 كلم. يرتبطان ويلتقيان بقناة ليصبان في بحيرة واحدة.
ثم سدود ترابية متوسطة ومنخفضة بالضفتين اليسرى واليمنى لسد اعالي عطبرة واخرى بالضفتين اليمنى واليسرى لسد ستيت.ومفيضان خرصانيان لتصريف المياه يقعان على الضفة اليسرى لنهر عطبرة و الضفة اليسرى لنهر ستيت ومحطة توليد بسد أعالي عطبرة بسعة 320 ميقاواط ومأخذ لمياه الرى بالضفة اليسرى لسد أعالي عطبرة للرى المستقبلي وبه مأخذ لإمداد منطقة القضارف بمياه الشرب. وخط ناقل للكهرباء بضغط عالي 220 كيلو فولت وبطول 28 كلم يربط محطة التوليد بالشبكة القومية.
تبلغ مساحة بحيرة السدين المتصلين بقناة واحدة 297 كلم مربع وسعة 3 مليار و700 مليون متر مكعب عند منسوب 521 متر ، ويبلغ التخزين الحي فيها 2.5 مليار متر مكعب عند منسوب 521 متر . ويبلغ التخزين الميت حوالي مليار متر مكعب.
المهندس المقيم بالمشروع مصطفي عثمان الزبير يقول إن تكلفة بناء السدين بلغت حوالي مليا و150 مليون دولار و يستفد من السدين في انتاج طاقة كهربائية تساوي 350 قيقاواط. وتكفي مياه بحيرتهما لري حوالي 800 الف فدان. كما إن السدين وفرا بنيات اساسية ممتازة للمستثمرين من داخل البلاد وخارجها.
ويتوقع وفقا لمخطط العمل والتنفيذ أن يكتمل بنائهما تماما، الذي بدأ في شهر سبتمبر من العام 2010، خلال الشهور القليلة المقبلة.
ويبين أن المشروع يهدف في الدرجة الأولى إلى توفير المياه اللازمة لرى أراضي مشروع حلفا الجديدة الزراعي والتي تقلصت بإنخفاض السعة التخزينية لبحيرة خزان خشم القربة من 1,3 مليار متر مكعب الى حوالي 0,6 مليار متر مكعب نتيجة لترسب الإطماء بالبحيرة ثم توفير المياه للشرب والزراعة ببحيرة السد وادناه للمواطنين القاطنين في المنطقة من موقع السد وحتى إلتقاء النهر بالنيل عند مدينة عطبرة وتوفير المياه لرى مشروع اعالي عطبرة الزراعي المقترح . وإنتاج طاقة كهربائية بإنشاء محطة توليد بسعة 320 ميقاواط /ساعة.
ويهدف المشروع ايضا لتخفيف ترسب الإطماء ببحيرة خزان خشم القربة وزيادة الثروة السمكية بإنتاجية كلية تقدر ب 1700 طن في العام. وتحسين المستوى الإقتصادي والإجتماعي للمستفيدين من المشروع وتوفير فرص عمل إضافية لمواطني المنطقة موقع السد.
محمد أحمد الشيخ مدير مكتب التوطين بالمشروع يقول إن تأسيس السدين وبناء قرى المشروع الجديدة بكافة إجمالية بلغت حوالي ترليون و900 مليار جني سوداني، أحدث تغيرا كاملا في نمط حياة سكان القرية واساليب عيشهم والخدمات التي يتمتعون بها.
وذكر أن بناء السدود في السودان عادة ما يصاحبه الرفض والتصميم على عدم ترك المواطن القديمة، ولكن الامر كان مختلفا في منطقة أعالي عطبرة وستيت حيث نقلهم المشروع من الفقر المدقع الذين كانوا يعانونه وشظف العيش الذي ظلوا يكابدونه لعقود متطاولة وبعيدة في القدم، الي حياة كريمة لم يكونوا يتوقعونها.
ويوضح أن القرى القديمة وفقا لعمليات الاحصاء السكاني الذي تم للمنطقة في العام 1010 قبل البدء في تنفيذ المشروع كانت تبلغ 93 قري منتشرة في مساحات واسعه على الضفاف الشرقية والغربية للنهرين ويسكنها حوالي 28 ألف و15 أسرة بمتوسط سبع افراد للأسرة الواحدة ولا تتوفربها خدمات للمياه والكهرباء والخدمات الصحية الاولية والطرق بل كانت تنعزل عن باقي بعضها البعض وباقي اجزاء القطر في فصل الخريف.
ويستطرد أن هذه القرى تم تجميعها في 11 قرية أسست بها 30 الف وحدة سكنية تتمتع بأربعة شبكات لتنقية وتوزيع المياه بسعة 30 الف متر مكعب في اليوم وشبكة للكهرباء بطول 880 الف كيلو وبها خمسين مدرسة اساس حديثة ومكتملة التاسيس مقارنة بحوالي 16 مدرسة في السابق كانت كلها مبينة من القش. وكذلك 24 مدرسة ثانوية جديدة لم تكن موجودة سابقا. و25 مسجدا تتسع لأف فرد لكلٍ مقارنة بست مساجد سعة الواحد 150 فردا.
اضافة الي 14 مركز للخدمات الاجتماعية و11 نقطة للشرط وثلاثة محاكم ونيابات عامة وهي ايضا لم تكن لها أثر في القرى القديمة. بجانب 33 إسكان داخلي للاساتذة والاطباء الوافدين.
المدير التنفيذي لمحلية ريفي ود الحليو بولاية كسلا وهي احدى المناطق التي شملها التهجير وبناء القرى الجديدة، عبد الناصر سيف الدين بريمة يقول “ما حدث لم نكن نتوقعه ولا حتى نحلم به” لم نتخيل ان يكون لدينا بلدات حديثة بها كل الخدمات ويكون لدينا شبكة للمياه وللكهرباء وجسرين يربطاننا مع بعضنا البعض في كل القرى على ضفتي نهري ستيت وعطبرة ثم بالطرق القومية التي توصلنا لباقي اجزاء البلاد.
ويضيف هذه هي المنطقة التي شهدت قصة وأحداث تاجوج والمحلق العاشقان الأشهر في التاريخ الاجتماعي السوداني.لم يكن لدينا ما يساعدنا على العمل، لم أكن استطيع البقاء في مكتبي والعمل الا ساعات قليلة جدً الحركة من مكان إلى ىخر كانت مضنية ومكلفة، الآن أعمل منذ الصباح وحتى المساء في المحلية فالظروف صارت مهيئة لذلك.
إشراقة عباس
منطقة الشوك -2-5-2016 (سونا)