بادئ ذي بدء لا بد أن نترحم على روح الطالب الشهيد محمد الصادق ويو، ابن لاعب الموردة السابق الشهير، الذي راحت روحه هدراً في الأحداث المؤسفة التي شهدتها الجامعة الأهلية في أعقاب الاحتكاك الذي وقع بين بعض الطلاب، وقبل ذلك يلزمنا كذلك إبداء الأسف الشديد للأحداث التي وقعت بجامعة كردفان وراح ضحيتها أحد الطلاب مبكياً على شبابه، بل إن فتح هذه السيرة المفجعة يوجب علينا أن نتأسف على كل واقعة دموية مأسوية راحت بسببها نفس عزيزة هكذا (سمبلة) بكل بساطة وسهولة، ولكن رغم فداحة الفقد ووجوب كشف الجناة والقصاص منهم، إلا أنني لست هنا للتحقيق في تلك الحوادث وتحميل مسؤوليتها لهذا الطرف أو ذاك، بقدر ما أنني هنا للتنبيه لنذر الفتنة التي بدأ شرارها يتطاير هنا وهناك، وشرورها تنتقل من جامعة لأخرى مخلّفة وراءها قتلى من الطلاب وحزانى وثكالى من الآباء والأمهات، وهذا الحال يجعلنا أحوج ما نكون في هذه الأيام للتحلي بالفطنة والحكمة والحنكة كي ندرأ عن البلاد شرور الفتن، وأول ما يلزم من حنكة وفطنة وحكمة لاحتواء الفتنة ومحاصرة الحريق في أضيق نطاق حتى لا يتسع ويتمدد أكثر مما عليه الآن، هو لجم وتحجيم مثيري الفتن الناعقين بالخراب والضاربين بكل قوة على (دلاليك الموت)، مع أن المنطق والتاريخ والعبر والدروس والتجارب كلها تقول أن لا خير يرجى من وراء أي فتنة ولن يكسب أحد من أي فتنة، ولكن رغم كل هذه الحقائق الناصعة والثابتة إلا أن بوم الخراب ونافخي كير الدمار والتدابر والتباغض يصرون بإلحاح على ركوب أي سبب يوصل لهذه الغاية الكارثية المأسوية، مثل إصرار أدروب على ركوب ذلك الدفار في الحكاية التي أحوجتنا لحكمة الشاويش الشايقي التي نتمنى أن لو تسود بين عقلائنا في كل الاتجاهات..
وتقول الحكاية، بينما كان أحد الأدروبات سائراً في الطريق، لفت نظره دفار متوقف على ناصية الشارع، وكان ممتلئاً بعدد كبير من الطالبات الجميلات بزيهن المميز، وقد أحاط بهن عدد من العسس (الدشنين) مدججين بالسلاح، استوقفه منظر الطالبات الحلوات ولكن استفزه مرأى العسس، لم يجد من يستجلي منه الأمر سوى صاحب دكان قريب، مضى إليه وسأله، بنات ديل مالهم عملو شنو، رد المسؤول (كانن في مظاهرة بتاعت شيوعيين وقبضوهن)، أمعن أدروب النظر في الطالبات السمحات وكأنما انتقين انتقاء من صفوف التظاهرة وأضمر في نفسه شيء ثم مضى يتبختر بالقرب من الدفار، ووقف قبالة قائد المجموعة الشرطية وكان شايقي برتبة شاويش، بدون أي مناسبة بدأ أدروب يصرخ في وجه الشاويش (آش نِدال التبقة الآملة)، أي عاش نضال الطبقة العاملة، الشاويش ضرب طناش، اغتاظ أدروب وواصل الهتاف (آش كفاح الشعب السوداني، آش الهزب الشيوئي السوداني، تسقت الجبهة الإسلامية)، الشاويش ما اشتغل بيهو الشغلة، زاد غيظ أدروب فزاد صراخه (يئيش مهمد إبراهيم نوكود، يسقت فلان داك)، وهنا رمق الشاويش أدروب بنظرة طويلة ثم قال له (والله الليلي إنكان بقيت لينين ذاتو ما بتركب في الدفار ده)، وهكذا أحبط هذا الشاويش بكل بساطة مخطط أدروب لركوب الدفار، فلماذا لا نحبط بكل هدوء ودون أي توتر يتسبب في الزج بنا إلى ما لا تحمد عقباه..