لا أحسب أن وطنياً أو صحفياً واحداً، لا يعرف الراحل المقيم السيد “حسين شريف” لأدواره الوطنية وريادته الصحفية التي لا تخطئها عين، وعندما أهدتني حفيدته السيدة الفضلى “حفية مأمون حسين شريف” كتابها الموسوم بـ(فجر الصحوة الوطنية.. ومضات وإضاءات في حياة الصحفي السوداني الراحل المقيم حسين شريف)، وذلك عقب صدور الكتاب عام 2010م، وجدت نفسي أنقاد انقياداً سلساً لمطالعة ذلك السفر القيّم، لثلاثة أسباب، أولها – بصراحة شديدة – لأعرف كيف تفكر السيّدة “حفية مأمون حسين شريف” وكيف تكتب وهي زوجة السيد “الصادق المهدي” إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة، أما السبب الثاني فهو معرفة منهج البحث المتبع في التوثيق لرجل ارتدى أكثر من عباءة، ربما أولاها انتماؤه للبيت المهدوي بحسبان أنه ابن الخليفة “شريف”، وثانية تلك العباءات هي تلك المنسوجة بخيوط الوطنية الحقة، وثالثها هي تلك التي ميزته عن جميع آل الإمام “محمد أحمد المهدي” حتى يومنا هذا – على الأقل – لأنه عمل صحفياً متفرغاً وأسس لمشروع لا نظن أنه قد ضاع سدى.
أما السبب الثالث الذي قادني انقياداً لقراءة الكتاب في حينه، فهو التعرف على شخصية الكاتب من خلال ما كتب وروى عنه، ثم التعرف على شخصيته من خلال ما كتب هو نفسه بقلمه، إذ احتشد الكتاب بعديد المقالات التي خطها يراع ذلك الرجل العظيم – رحمه الله – إضافة إلى محاولة التعرف على قضايا ذلك العصر الذي لم نعشه على اعتبار أن الصحافة هي واحدة من وسائل التوثيق للأحداث وواحدة من أسس الرصد لحركة المجتمع.
وجدت مقالاً لهذا الصحفي الكبير والوطني الغيور، ثم نشره في أول صحيفة سودانية الملكية (حضارة السودان) في (أغسطس) 1920م، تحت عنوان (السودان ومصر أو المسألة السودانية) وهو مقال ضمن أربع مقالات تتالت حول ذات الموضوع، وعندما نطالعها فكأنما هي تحكي واقع الحال الإعلامي الذي نعيشه الآن، في ظل تعديات مشينة من قبل بعض حملة الأقلام أو مقدمي البرامج في محطات التلفزة الخاصة على بلادنا، إلى الحد الذي أخذ فيه بعضهم يسخر من الشخصية السودانية ومن رمزها الوطني أو السيادي.
وأسباب كتابة المقال هي حملة تعرض لها السودان من قبل البعض في مصر، يقول في أول فقرة من مقاله ذاك.. نريد أن نمهد لبحثنا بكلمة عتاب صغيرة نلوم بها إخواننا المصريين على ما أهالوه لنا وكالوا مما لا تسلم زجاجة ود ولا ينبت أمامه حبل قرب، ومع أننا نحن حريصون على الإخاء محرضون على الوفاء نعض عليهما بالنواجذ ولا نبيعهما بالبوادر والعوارض، لكنا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نمس في شيء يتعلق بالحق الوطني أو ننال في أمر يرتبط بالشرف القومي، أو ننظر بعين تمتد إلى همم الأنوف وعزة النفس، وذلك هو الدافع لنا لفتح هذا الباب.
ويستطرد ليكتب في مقاله ذاك: (أما إذا تجاوزت النخوة حدودها ومدت الأطماع رؤوسها ونفخت الدعوات بوقها، فليس على المدافع عن حقه والذاب عن شرفه لوم ولا تثريب)، ثم يستطرد في فقرة أخرى ويكتب: (على أن المصريين ولا نقول عقلاؤهم، طالما تحدونا بهذه المدافعة، وأجبرونا على النزول إلى ميدان المقارعة بما كانوا يبحثون عن خللنا وينتقصون حقنا طول هذه المدة التي تجرعنا في خلالها من الإساءة كؤوساً مرة، وتحملنا ما ينوء بالعصبة أولي القوة مراعاة لعهود الجوار، وذمم الإخاء، لكن الإناء إذا امتلأ فاض، والمرجل إذا ازداد في الحمو انفجر، وليس في شرعة الإنصاف أن يكلف المرء خطة لا تستطاع، وأن يمس شيء أعز عليه من نفسه التي بين جنبيه وهو وطنه).
تلك لمحات أو بعض لمحات لما كتبه رائد الصحافة السودانية السيد “حسين شريف” رئيس تحرير أول صحيفة سودانية الملكية وهي (حضارة السودان) الذي وظف قلمه لخدمة قضايا وطنه ونهضة المرأة والوحدة الوطنية.. والذي ولد عام 1886م، بمدينة أم درمان في ذات عام ميلاد الإمام “عبد الرحمن المهدي”، والذي توفي عن (42) عاماً في (يونيو) 1928م.
نتمنى من أصحاب القرار في مصر إيقاف بعض ما يقود إلى توتر العلاقة بين شعبي وادي النيل، والذي فيه تجنٍ كثير على السودان، ومزايدة غير مبررة على قضايا يمكن أن يتم حسمها خارج دوائر الفعل الإعلامي المستفز.