ما بين صحافة مايو والإنقاذ (15)!!

تحدثنا في الحلقة السابقة عن صحافة مايو والإنقاذ وعن تقديم الدكتور “أمين حسن عمر” رئيس تحرير صحيفة (الأنباء) استقالته بعد أن فشل في استقطاب الدعم اللازم للصحيفة، فالدكتور “أمين” كان يمني النفس أن تكون هناك صحافة على مستوى عالٍ من المهنية ومؤسسة تشبه معظم المؤسسات الصحفية في العالم، كما هو الحال في مؤسسة (الأهرام) المصرية التي تصدر عنها صحيفة (الأهرام) وعدد من الصحف الأخرى، لكن يبدو أن رئاسة الدولة لم يكن همها الأول الصحافة والصحفيين، لذلك كان الدكتور “أمين” يحرث في البحر نظراً لعدم الاستجابة لمطالبه التي تساعد وتساهم في خلق صحافة مميزة.
والدكتور “أمين” لمن لا يعرفه هو صاحب أفكار جيدة، فعندما فشل في استقطاب الدعم اللازم الذي يساعد على استقرار الصحيفة ابتدر وكالة للإعلان مهمتها جلب كل الإعلان الحكومي للصحيفة سماها (أقمار) وما زالت هذه الوكالة موجودة حتى الآن.. الدكتور “أمين” أراد أن يأتي كل الإعلان الحكومي إلى صحيفة (الأنباء) طالما الحكومة لم تساعده في توفير المال اللازم الذي يساعده على الاستقرار، لكن حتى هذه الوكالة لم تكن بالفاعلية التي أرادها، وأخيراً قرر الترجل عن رئاسة التحرير وأوكل أمر الصحيفة للأستاذ “علي عبد الكريم” فأصبح الأستاذ “علي عبد الكريم” رئيساً لتحرير (الأنباء) بالإنابة، فيما شرع الدكتور “أمين” في كتابة رسالة الدكتوراه وانكب يقرأ ويلخص ويكتب ونحن شهود، كان يأتي إلى مقر الصحيفة ببحري ويجلس الساعات الطوال أمام جهاز الحاسوب إلى أن فرغ منها وكانت أكثر من رسالة، وعندما قام الدكتور “عوض الحسن النور” وزير العدل الحالي بتصنيفها ومراجعتها وجدها أكبر من رسالة، وما تبقى يمكن أن يصدر في كتب منفصلة.
الدولة كان اهتمامها بالصحافة قليلاً جداً وربما لم تكن راضية عن التجارب التي خاضتها من صحيفة (الإنقاذ) وصحيفة (السودان الحديث) و(سوداناو) و(المخبر)، فلكل الصحف التي كانت مملوكة لها لم يعجبها الحال، لذلك كان اهتمامها ضعيفاً بها، وحتى الآن الإنقاذ لم تهتم بالصحافة كما هو موجود في كثير من بلدان العالم وامتلاك الدولة للصحف، ففي النظام المايوي كان الرئيس “جعفر نميري” يقرأ ويتابع ويتصل برؤساء التحرير مشيداً ومنتقداً أو زائراً لصحيفة في منتصف الليل.
وأخبرني الدكتور “إسماعيل الحاج موسى” أن الرئيس “نميري” كان في لقاء مباشر ولم يعجبه انتقاد أحد الصحفيين، فطالب بوقفه عن العمل، وكان هذا الصحفي الراحل “عبد الله عبيد” فسلمني الدكتور “إسماعيل” خطاب استقالة كتبه “عبد الله عبيد” ووقتها دكتور “إسماعيل” كان رئيس هيئة التحرير فطلب منه أن يواصل عمله وسيذهب للرئيس للحديث معه، وما زال الدكتور “إسماعيل” محتفظاً باستقالة الراحل “عبد الله عبيد” وسلمني نسخة منها.. ففي صحافة الإنقاذ لم نسمع أن مسؤولاً تفقد صحيفة إلا الأستاذ “علي عثمان”، وكان وقتها النائب الأول، زار (الأنباء) مرات بعد الحادية عشرة ليلاً.

Exit mobile version