عجين عوض الكريم
ما كُنت أتمنى أن يوغل المُطرب الشجيّ عوض الكريم عبد الله ليخوض مع الخائضين، فيصف خلفاءه من الفنانين الشباب الذين ينشطون في البرنامج الترفيهي الرمضاني (المُستديم) (أغاني وأغاني) وصفًا مُؤلمًا وحادًا في حواره مع يومية (السوداني) المنشور خلال عدد أمس، حين قال عنهم “ديل لو عجنوهم كلهم ما بطلعوا فنان”، تلك عبارة لا تشبه شجو عوض الكريم، كونها مثقلة بالتعميم ومكتنزة بحدة لا يجترحها حتى الشتّامين العِظام, وهذه، وأعني (الشتيمة)، خصلة لم تُعهد في الرجل الذي ظل نزّاعًا إلى الصمت ميالًا لأداء مهمته التطريبية دون ضجيج كما يفعل البعض.
على أي حال، ليس من الإنصاف ولا العدل، أن نقول عن عصام محمد نور، عاصم البنا، جمال فرفور، مُصطفى السني، حسين الصادق، مكارم بشير، هدى عربي وإلى آخر القائمة، بأن عجينتهم لا تساوي فنانًا واحدًا، مهما بلغ بنا الملل من حضور بعضهم الدائم في برنامج السر قدور الرمضاني، مثار الجدل.
والحال، إن وصف عوض الكريم عبد الله، وهو قامة غنائية وخامة صوتية قلّ نظيريهما، لهؤلاء الشباب بأنهم (لا شيء)، أمر يدعو للأسف والحزن، ليس لكونه يفارق النقد البناء الهادف الهادئ، المتوخى من رجل بذل رحيق عمره في إسعاد الناس، بل لأنه أيضًا لا يتسق مع عمره وخبرته في الحياة، اللذين كنا نأمل أن يمنحانه قدرًا من الحكمة و(المعقولية) عند أصداره أحكامًا على الآخرين، لكنه اختار اللغة السهلة الشائعة، فلم تبلغ به هدفه ولم تُبقِهْ في مكانته العالية، وانحدرت به إلى هوة لا يستحقها.
فرق كبير، بين النقد والإساءة والاستهزاء، فالأول مطلوب وضروري كونه يستهدف التصحيح والتقييم والتقويم، لذلك لا بُد أن يتوسل الناقد لُغة خالية من التجريح أو التقليل من أقدار الآخرين، وأن لا يتعدى ولا يتجاوز موضوع النقد إلى أمور شخصية لئلا يصبح شتيمة وسخرية.
بطبيعة الحال، لا أحد معصوم من النقد، فبرنامج أغاني وأغاني يجب أن يُنتقد، والمشاركون فيه كذلك، فلا هو ولا هم معصومون من النقد، لكننا ضد لغة التجريح والازدراء التي تجعل الآخر أكثر تطرفًا إزاء مُسيئه وشاتمه. وعليه ولأن النقد نوعان معرفي خارجي ينظر في إمكانية وشروط المعرفة وحدودها، وداخلي ينظر في الرأي ذاته من حيث التركيب والمحتوَى، ولأن عوض الكريم عبد الله، لم يمارس أيًا منهما فإن ما دفع به إلى (السوداني)، كان، للأسف الشديد، محض (عجين خمير).