قبل أن نتجاوز صدى خطوة الولايات المتحدة الأمريكية بعدم منح وزير الداخلية الفريق أول “عصمت عبد الرحمن” تأشيرة لدخول أراضيها، أضاف إلينا وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” قبل يومين قائمة منع أمريكية أخرى شملت وزير التربية والتعليم ووزير الدولة بالصحة، ونحن نعلم أن مسؤولين آخرين رفضت “واشنطن” أيضاً منحهم تأشيرة دخول، رغم أن جميع هؤلاء الدستوريين كانوا يعتزمون المشاركة في مؤتمر ومناشط دولية، ولا يريدون التنزه في شوارع “نيويورك” أو “واشنطن”.
الولايات المتحدة معروف أنها دولة مؤسسات وقرار كهذا بالتأكيد لن يكون من تلقاء تصرف وزارة أو مؤسسة لوحدها، وإنما هو قرار متفق عليه، لذلك كان حرياً بالحكومة أن تقف عند مبدأ هذا التعامل سيما وأنها لم تتلقَّ أي مبررات من هذا المنع. و”واشنطن” كدولة مقر للأمم المتحدة أو مؤسسات أخرى لا ينبغي لها أن تمنع مسؤولاً من أية دولة عضو من المشاركة لأنه ببساطة يتنافى مع المبادئ الدولية.
ومشكلتنا في السودان أن الحكومة وعلى المدى الطويل تتجنب الرد على هذه الحماقات الأمريكية بمقدارها، أمس لوح وزير الدولة بالخارجية “كمال إسماعيل” بالتعامل بالمثل مع القرار الأمريكي بعدم منح عدد من الدستوريين تأشيرات دخول، فرغم أن هذا الحديث جاء متأخراً إلا أنه أشفى قليلنا والولايات المتحدة تتفنن كل يوم في رسم المكائد للسودان والبحث عن عقوبات لإيقاعها عليه من خلال المنابر الدولية.
أتمنى أن يكون ما قال به هذا الوزير القوي هو ديدننا في التعامل مع “واشنطن” وعدم الاكتراث في أنها دولة عظمى، فالرسائل المجانية مثل هذه يكون وقعها مؤلماً إذا ما رددنا هذا التعامل بمثله، سيما وأن الوزير أشار إلى أن “واشنطن” لديها طلبات تأشيرات لعدد من مسؤوليها لزيارة السودان. فهم في أحيان كثيرة يكونون في حاجة إلى زيارة السودان أكثر من حاجة مسؤولينا لزيارة بلدهم لسبب بسيط هو أنهم يريدون أن يعرفوا المزيد والمزيد وتهتم واشنطن بأمرنا بطريقة محيرة، أتمنى أن يكون رد الحكومة عاجلاً في هذا الشأن وأن ترفض هذه الطلبات الأمريكية جملة وتفصيلاً. فبمثل أنكم لا تريدوننا أن يزور مسؤولونا بلدكم نحن أيضاً لا نريد لمسؤوليكم أن يزوروا بلدنا وكما يقول المصريون في مثلهم (مافيش حد أحسن من حد). مبدأ المعاملة بالمثل واحد من مبادئ التعامل الدبلوماسي المعروف، فلما نضعه في الفريزر ولا نخرجه، فطالما أن الولايات المتحدة تحس بأن كل تصرفاتها التعسفية تجاهنا لن تجد ردة فعل من الحكومة، فإن السهام ستزداد علينا وحتى لا نصبح ضحايا لهذه السهام القاتلة، فإنه من الأوجب أن نردها بذات القدر، والله المستعان.