“فتشرز”.. الناس على نماذج إعلامهم
يحكى أن صورة عابرة تعود إلى أواخر السبعينيات أو الثمانينيات وبداية التسعينيات، سواء أكانت مأخوذة من أحد البرامج التلفزيونية في تلك الأوقات، أو من على صفحات صحف ذلك الزمان، أو هي صورة فوتوغرافية (كوداك) عادية لزول أو زولة عاديين من عامة الناس؛ صورة من ذلك (الزمن) إن تأملها المرء جيدا وبتمعن فقد يجد نفسه محاصرا بعدد من الأسئلة التي تدور حول التغيرات الجسدية واللونية وذات العلاقة بالشَعر التي ضربت هذا (الكائن) المسمى سوداني وأبدلت شكله وسمته بهذا القدر الذي يقترب من التشويه؛ لا سيما لدى معظم بنات ونساء هذه البلاد التي باتت على ما يبدو تمضي (أمفكو) في كل شيء بداية من (فتشرز) الناس وليس انتهاء بخراب الأرواح واستشراء الفساد!
قال الراوي: هل يذكر الناس المذيعة الثمانينية فتحية محمد أحمد، بإطلالتها البهية و(خضرة) لونها السودانية المحببة؟ هل ما زالت تلك المشاهد المدهشة لأعضاء فرقة أصدقاء المسرحية وهم يقدمون فقرات من برنامجهم التلفزيوني (الأنموذج) محطة التلفزيون الأهلية؛ عالقة بالذاكرة السودانية، تلك النحافة (الرشاقة)، الشعر الغزير (الخنفس) والعافية التي تكسي الوجوه.. هل تذكرون العميري في إطلالته الوسيمة وهو يغني؟ عماد أحمد الطيب؟ يسرية محمد الحسن وغيرهم من الوجوه (الطبيعية) في ذلك الوقت الطيب.
قال الراوي: في محاولة طريفة للسخرية من محاولات البنات السودانيات لـ (تبييض) بشرتهن ومحو سمرتهن الجميلة، نشر شباب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور لفنانات سودانيات شهيرات، لكل واحدة اختاروا صورتين، الأولى ما قبل الشهرة والثانية ما بعدها، وفي كل الصور (الما قبل) بلا استثناء، تظهر جميع هؤلاء الشهيرات وهن ناحلات خضروات اللون باسمات المحيا، ثم تحدث النقلة المفجعة في الصور التي (ما بعد) حيث يظهرن وقد تبدلت جلودهن إلى لون أبيض غريب وامتلأت أجسادهن بصورة محيرة وابتسامات بئيسة ترتسم على الوجوه!
قال الرواي: بلا شك أن الناس يأخذون عن إعلامهم النماذج العليا، لاسيما في المسائل التي تتعلق بالجمال والوسامة والوجاهة والموضة وكل ما يندرج في باب التسويق الإعلامي المبرمج والممنهج، فالناس الآن يضيفون إلى تشوهات حياتهم المجتمعية تشوهات (خلقية) وجسدية مأخوذة بلا وعي عن النماذج المفروضة قسرا في وسائل الإعلام (الفضائيات)، وغيرها، وهو ما يفسر هذه الحالة الحربائية التي اجتاحت كل الأسر السودانية وجعلت الجميع رجالا ونساء كذلك الغراب الذي ما عاد غرابا ولا صار طاؤوسا!
ختم الراوي؛ قال: تأملوا صوركم زمان وقارنوا يا سادة.
استدرك الراوي؛ قال: أو انظروا لتحية زروق.. مثلا!