ألتقيته لحظات مع الأخ الطاهر يونس، عندما عرفني عليه في المطار لحظة استقبال ثنائي المونديال سيموني بورتا وتوماسي.. كان بشوشاً بشكل غريب.. بسيطاً وكأنه سوداني.. تجول في المطار بين الحضور موزعاً التحايا ومداعباً ومتحدثاً للإعلام .. سفير بأسلوب مختلف ..
أو بذكاء حاد لأنه ببساطة شديدة استطاع أن يكسب ود الجميع في لحظات سريعة، لذلك عندما قابلته مرة أخرى في حفل العشاء الذي أقامه بمنزله، لم يكن غريباً إن أحسست كما أحس غيري بأننا ضيوف عند (جعلي) ود (قبائل) فابريزيو لوباسو.. سفير ايطاليا بالخرطوم أو سفير السودان لدي الايطاليين ..نعم ..هو يعطيك إحساساً بأنه سوداني أكثر من كونه إيطالي .. يتحدث عن العصيدة والمفروكة، ويغني سائق الفيات ويتجول كما قال في شوارع الخرطوم وحيداً دون حرس، لأنه ببساطة لا يحتاج لمن يحرسه في بلده ..
ختم حديثي معه بكلمة أخيرة فقال .. أنا سوداني .. أفتخر بذلك.. سعيد أنا بهذا الحوار مع السفير الإيطالي وأتمنى أن يكون الحوار شيقاً بدرجة تبعث السعادة في دواخلكم أنتم أيضاً، وقبل الدخول الى مضابط الحوار أسمحوا لنا بشكر المترجم (بابلو) الذي قام بكل الود بترجمة الأسئلة والإجابات ..
* لنبدأ معك من حيث محطتك الأولى في الدبلوماسية.. ماذا تركت شيلي من انطباع في دواخلك؟
– تركت كلما هو جميل .. أحلى الذكريات وأفضل التجارب .. فقد كانت المحطة الأولى التي أعمل فيها خارج ايطاليا، حيث عملت كملحق تجاري وساعدتني الظروف بعد سفر السفير لاكون علي رأس البعثة الدبلوماسية وعمري لم يتجاوز الثلاثة والثلاثين، فاكتسبت تجربة كبيرة خصوصاً وإن الفترة التي قضيتها لم تكن بها اي مشاكل بل بالعكس حدث نشاط تجاري وثقافي واجتماعي كبير ..أحتفظ بعلاقات طيبة حتى الآن، كما أن لدى عدد من الأغنيات التي كتبتها ولحنتها لفنانين هناك ومازالوا يتغنون بها ..
قسيس في كمبوني أهداني سائق الفيات !!
أنا إنسان مسكون بحب الغناء والموسيقى .. كنت في جلسة مع قسيس في كمبوني بالخرطوم.. تحدثنا في الكثير من الأمور، ثم حدثني عن أغنية سائق الفيات .. استمعت لها واحببتها، ولكنني لم أجيدها بعد وعندما يحدث ذلك سوف أقدمها في إحدى المناسبات !!
لدي علاقات طيبة مع الفنانين السودانيين، وأخص هنا الأستاذ عمر إحساس والفنان الشاب (نايل،) وأتمنى ان نغني سويا في المستقبل .. الموسيقى السودانية جميلة وهي تقع في منطقة وسطى ما بين الشرق الأوسط والسلم الخماسي بافريقيا .. أستمتع جداً بنشيد أنا سوداني فكلما استمع اليه يثير بدواخلي العديد من الشجون ..
الدبلوماسية تحرمني من الغناء ولكن ..
بالتأكيد عملي الدبلوماسي يحرمني من الغناء، ولكن لا يحرمني من كتابة الأغنيات وتلحينها.. وعندما اترك وزارة الخارجية سوف أغني، ولدي الآن العديد من الأغنيات في اليوتيوب ..
أيطاليا تعني كرة القدم ..
عملنا استطلاعاً بين الشباب السوداني معتمداً على سؤال )ماذا تعني لك ايطاليا( كانت معظم الإجابات تتركز على الجانب الرياضي، لذلك ركزنا في بداية عملنا الاجتماعي على الرياضة..
أشكر شركة افي ..
الفعاليات الرياضية التي نفذناها مؤخراً بالتعاون مع شركة «افي» حققت نجاحاً باهراً .. فقد كانت أول تجربة في تاريخ ايطاليا أن يتم تعليم اللغة الايطالية عبر كرة القدم، وكان نجاحاً كبيراً لوزارة الخارجية وشملت الفعاليات زيارة اثنين من أكبر نجوم ايطاليا في كرة القدم.. وسبق أن حملا كاس العالم .. كما غطت أخبار هذه النشاطات كل الوسائط الإعلامية السودانية .. راديو وتلفزيون وقنوات عالمية مثل بي ان سبورت، وكل الصحف الرياضية والسياسية ..كانت أيام رائعة، لذلك لابد أن أشكر شريكنا الأساسي في هذا العمل وهو شركة «افي» بقيادة المهندس الطاهر يونس .. فقد وجدنا منهم تعاوناً كبيراً وهم أصحاب القدح المعلى في هذا النجاح، الذي شجعنا في التفكير في عمل العديد من مثل هذه الفعاليات، وبالتأكيد سيستمر التعاون بيننا وسيمتد للجانب التجاري، فهذه شركة مهمة وتستورد منتوجات ايطالية بصورة مستمرة للسودان ..
وجدت السودان أفضل مما تخيلت ؟!
لم أأتي بفكرة سيئة عن السودان، بل بالعكس فقد قرأت عنه وعرفت انه ملتقى لحضارات، وأنه يجمع كل الأجناس والأعراق، وهو مكان تلاقي تمازج فيه العرب والأفارقة، وقد وجدت أكثر من ذلك .. فالشخصية السودانية متميزة والشعب طيب ومسالم، ومحب للأغراب، والسودانيون يبتسمون دوماً في وجهك وساحتفظ بذكريات طيبة عن هذا البلد، ولدي علاقات اعتز بها الآن ..
أحب اللون الأزرق ويمكن أن أكون مشجعاً للهلال ؟
– أنا من جنوب ايطاليا وتحديداً من مدينة نابولي .. ولدت هناك وترعرعت، واللون الأزرق يحيط بي من كل مكان .. البحر بلونه الأزرق والسماء الصافية .. نادي المدينة شعاره أزرق .. أحببت هذا اللون حتى في ملابسي ..وفي شيلي هناك حجر كريم لونه أزرق وفي البرازيل أيضاً، المنتخب الايطالي أيضاً شعاره أزرق.. من الطبيعي أن أميل للأندية التي ترتدي هذا الشعار، وعلمت أن نادي الهلال السوداني شعاره أزرق وأبيض.. هو الأقرب بطبيعة الحال لنفسي، ويمكن أن أكون مشجعاً له، ولكنني لم أشاهد الفريق حتى الآن، كما أنني دبلوماسي ويجب أن أكون على مسافة من كل الأندية، ولكنني لا أخفي حبي للون الأزرق طبعاً ..
*حللت كاس اوربا لقناة في شيلي !
– نعم أنا رياضي من الدرجة الأولى.. أحب كرة القدم ولدي قدرة عالية على التحليل، ولدي تجربة افتخر بها عندما كنت في شيلي ..وكانت ايطاليا مشاركة في كأس اوربا عام 2002وقمت بالتقديم والتحليل لمباريات المنتخب الإيطالي، وأتمنى أن أكرر التجربة في إحدى القنوات الفضائية بالسودان، خصوصاً وأن إيطاليا ستشارك في كاس أمم أوربا القادمة..
أشجع ريال مدريد ولكن ميسي أفضل لاعب في العالم!
لا أحب التعصب الأعمى في الكرة ..كرة القدم للمتعة والترويح ..لا شيء يجبرك على تشجيع فريق لا تحبه أو يجبرك على عدم قول الحقيقة.. أنا أشجع ريال مدريد منذ الصغر، وقد ارتبط هذا بحدث أساسي في حياتي، فقد تهيأت لوالدي فرصة زيارة اسبانيا لأسباب عملية، وهو موظف في بنك نابولي في ذلك الوقت، وأحضر لي معه هدية عبارة عن (شعار ريال مدريد) لبست الشعار وأحببت النادي، ثم نشأت علي حبه، ولكن هذا لا يمنعني من قول الحقيقة التي أشعر بها أو تقييمي الخاص بأن ميسي أفضل من رونالدو، وأفضل من كل لاعبي العالم، أنه يقدم إعجازاً في عالم كرة القدم.
كورس اللغة الايطالية للإعلاميين الرياضيين ..
– أوافق بشدة على هذه الفكرة .. أرجو تقديمها مكتوبة وبتفاصيل أكثر، وبعد مناقشتها بينكم كإعلاميين رياضيين والتنسيق الكامل بينكم يمكن أن نجلس سوياً وننفذها، ويمكن أن نقدم الدعوة لصحفي رياضي ايطالي ومترجم وأستاذ لغة إيطالية، لنقيم كورساً للغة الايطالية متخصصاً في مصطلحات كرة القدم طبعي شعبي ودبلوماسي
لاحظنا انفتاحك على المجتمع وتواضعك وعلاقاتك الواسعة مع السودانيين ..هل تؤمن بالدبلوماسية الشعبية أم أن طبعك هو الذي يجعلك إنساناً بسيطاً محباً للجميع ؟
الاثنان معا .. شخصيتي وفلسفتي في العمل الدبلوماسي أيضاً ..فلدي قناعة بأن على الدبلوماسي أن لا يحصر عمله في الرسميات ..يجب أن تتغلغل في المجتمع حتى تنجح في عملك فانت دبلوماسي لكل شعبك وعليك أن تعرف الشعب الذي تتعامل معه، ولا يمكن أن تعرف الشعوب إلا من خلال معايشة حياتهم اليومية .. أنا استمتع بذلك أيضاً وهو ما يساعدني على نجاحي في عملي ..وأنا عموماً أحب مساعدة الفقراء والمحتاجين ..
*الشهامة والصدق والكرامة ..جنوب إيطاليا مثل السودان.
– هناك العديد من الصفات المشتركة بين الشعبين السوداني والإيطالي، ولكي أكون أكثر دقة فأنا من جنوب إيطاليا، حيث الكرم والشهامة وحب مساعدة الآخرين، والصدق في العلاقات والصبر على تحمل مصاعب الحياة، واحترام الاختلاف في اللون والجنس واللغة، وهي كلها صفات وجدتها في المجتمع السوداني أو على الأقل المجتمع الذي عشته في الخرطوم ..
الإنسان العنصري غير سعيد في حياته .
الإنسان العنصري هو إنسان ضعيف الشخصية ..غير متصالح مع نفسه ..لا يشعر بالسعادة في حياته الطبيعية .. الإنسان (المبسوط) في حياته لا يكون عنصرياً فهو ينظر لعمق الأشياء وليس للألوان ..ينظر للإنسان كإنسان ..
أتتابع الصحافة عبر المكتب الصحفي ؟
– حريص على متابعة الأخبار بشكل عام، وأقرأ الصحف بصورة غير مباشرة عبر المكتب الصحفي، الذي يقوم بترجمة الصحف ويقدمها لي كما أنني أقرأ الصحف التي تصدر بالانجليزية ..
أتجول مرتاحاً في الخرطوم ولا أشعر بحاجتي لحارس خاص !
أحببت هذه المدينة الهادئة الرائعة .. أشعر فيها بالأمان ..ليست لدي حارس شخصي ولا أشعر بالحاجة لذلك .. الخرطوم من المدن الآمنة جداً والشعب السوداني شعب مسالم .. في أوقات فراغي، اتجول مرتاحاً في شارع النيل وأزور توتي.
الى مدى أنت راضٍ عن التعامل التجاري بين السودان وإيطاليا؟
– أعتقد أن بالإمكان أفضل بكثير مما هو موجود حالياً. فالسودان لديه فرص استثمار كثيرة ورجال الأعمال الإيطاليين لم يكتشفوا هذا الأمر بصورة دقيقة حتى الآن، وهو ما نعمل من أجله في السفارة لندعم خطوات تم تنفيذها من قبل مثل ملتقى الاستثمار السوداني في روما في عام 2014 والذي شرفه بالحضور وزير الخارجية السابق السيد علي كرتي، وملتقى الاستثمار الثاني في ميلانو عام 2015 والذي شرفه الوزير غندور، بمشاركة عدد كبير من رجال المال والأعمال من الدولتين.. الميزان التجاري حالياً في حدود مليار دولار، ولكنه محصور الى حد كبير في الاستيراد والتصدير لسلع وأدوات بعينها.. نحن نجتهد من أجل استثمار كبير.
أنا سوداني أنا ..أنا سوداني أنا ..
ماذا تود أن تقول في ختام هذا اللقاء..
-أحب أن أختم بنشيدكم الجميل (أنا سوداني أنا.. أنا سوداني أنا)..
حاوره خالد عزالدين :تصوير سفيان البشري