“نحن أغنى فقراء العالم”، لا تفتأ عبارة الزعيم الكنغولي لوران كابيلا حين كان ثوريًا، وقبل أن يستبد بالحكم، فينساها وننساه، لا تفتأ تطرق طبلتي أذنيّ، بين حين وآخر، كلما نطق ناطق حكومي محلي بتصريحاتٍ تضغط على الذاكرة فتحفزها على استحضار الكلمات التي تحيل سامعيها مباشرة إلى عبارة مثل “كلمة حق يراد بها باطل”.
الآن جاء بها إلىّ وزير الدولة بالثروة الحيوانية د, جعفر ـحمد، حين أوردت عنه الصحف، قوله، باختفاء شركة الصمغ العربي في ظروف غامضة، ما أدى إلى تهريب هذا المنتج الاستراتيجي عبر الحدود الغربية، مقرونًا بطلبه (مِنْ مَنْ لا ندري!)، بإصدار قرارات قويّة بوقف التصديقات الولائية لشركات أجنبية بتجريف أسماك البحر الأحمر.
وبهذه المناسبة، لا بد أن نشير إلى أن الصمغ العربي وحده يمكن أن يصعد باقتصاد البلاد إلى مراقٍ شاهقة، كوننا نحوز على أكثر من 80% من إنتاجه العالمي، لكننا في الحقيقة لا نصدر منه إلا الفُتات، لكن حتى فتات الصمغ هذا، ليس بهين، إذ در على الخزانة العامة في العام 2012م أكثر من 82 مليون دولار أمريكي، كما أنه يسهم في تحسين سبل العيش لأكثر من 6 ملايين شخص في السودان يعيشون في مناطق الزراعة المطرية التقليدية، حيث نسبة الفقر تتراوح بين 65 إلى 90%، ويعتبر مصدر دخل أساسي ورئيس لمعظم المنتجين داخل حزام الصمغ العربي، إذ تبلغ نسبة مساهمته 35% من متوسط الدخل السنوي للمنتجين.
تصوروا، وتختفي شركة (فُتات) الصمغ العربي فجأة، وفي ظروف غامضة، بحسب الوزير، ويفقد الملايين من الأغنياء نظريًا والفقراء عمليًا وواقعيًا مصدر دخلهم الرئيس، وتفقد الدولة أهم مواردها لأن المؤسسة التي تديرها اختفت في ظروف غامضة!
ثم ماذا بعد؟، إنه البحر الأحمر، أحد أهم وأكبر مورد اقتصادي في البلاد، ويأتي الوزير ليطالب، من؟ لا ندري.. بوقف تجريف الأسماك التي تباد من على لجته وتحتها مع سبق الإصرار والترصد وبإذن من السلطات المحلية كما أوشى وزير الدولة للبرلمان والصحف.
البحر الأحمر وحده، تكفي ثرواته وموارده لتجعل السوداني العادي في ثراء سلطان بروناي، ليس فقط بفضل أسماكه عالية الجودة وشعبه المرجانية الفيسفسائية الرائعة وشواطئه الدافئة النظيفة الجاذبة للسياح (بشروط)، بل لأنه ينطوي على ثروات وموارد طبيعية مهولة وعديدة ومتنوعة، ولا تحتاج إلا لبضع خطوات عملية جادة من أجل استخراجها والانتفاع بها، فأغوار الأحمر تخفي تحتها طبقة سميكة من الرواسب الغنية بالذهب والفضة والنحاس والحديد الخام والرصاص والكروم والزنك والنفط.
والحال، إن الاختبارات والتحاليل المعملية التي أجريت على رواسب غور البحر الأحمر، بين السودان والسعودية كشفت احتواءه على ثروات تقدر بحوالي 97 مليون طن من مختلف الخامات والمعادن الفلزية، منها مليونا طن من الزنك، ونصف مليون طن من النحاس، فضلا عن آلاف الأطنان الأخرى من معادن الرصاص والفضة والمنجنيز والكادميوم والكوبالت واليورانيوم، وقد قدر حجم العائد المادي المتوقع حال استغلال هذه الرواسب اقتصاديا بحوالي 2.5 مليار دولار، علمًا بأن هذا التقدير قديم، بعيد اكتشاف الغور في العام 1967م، أما الآن فإن الأمر صار أضعافًا مضاعفة.
لكن، لنترك كل تلك الثروات جانبًا، ونركز على السياحة والأسماك، أما بالنسبة للأولى فاسألوا ناس (شرم الشيخ) واستفيدوا من تجربتهم، وفي ما يخص السمك فاسألوني أنا أخبركم (اليقينا)، فهناك أغلى وأشهي والذ وأطيب أنواع الأسماك في العالم، الديراك، الهامور، الصافي، الكنعد، الميد، سبيتي، الحاقول، الببغاء، الناجل، السيجان، الخرم، الفارس، الترباني، الباركودا، البياض، أبو قرن (الرهو)، ولن أتوقف إلا مجبرًا.
ثم، يأتي وزير الدولة بالثروة الحيوانية ليطالب من؟ لا ندري، لكننا نشكره أن ذكرنا بعبارة كابيلا آنفة الإشارة.