نقّار الخشب، ذلك الطائر الذي عرفناه من خلال أفلام الرسوم المتحركة «وودي ودبيكر». دخل التاريخ عندما نجح في تحدي وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» واستخدم منقاره وأشبع المكوك نقراً حتى أحدث فيه 150 ثقبا عطلته.
نقار الخشب استطاع أن يفرمل أحدث ما أنتجته تكنولوجيا الفضاء، ونحن مازلنا نتجادل حول أيهما أروع: المسلسلات التركية أم المكسيكية؟ ورمضان الفضيل على الأبواب، ونحن لا نستطيع أن نجزم
متى سيبدأ، ففي نهاية شعبان من كل عام يقول مسلمو أندونيسيا: رأينا الهلال.. فيرد عليهم أهل حلايب: ذلك كان زحل. علماؤنا في مراصدهم يقولون لنا: نستطيع أن نحدد لكم مطالع الشهور لما يزيد على القرن مسترشدين بقوله تعالى: «والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابقٌ النهار وكل في فلك يسبحون»، ولكن ينتهي بنا الأمر وكأنما هناك هلال خاص بالمغرب العربي، وآخر خاص بحوض النيل وثالث خاص بمسلمي آسيا تظهر في أيام مختلفة، والسبب في ذلك أن رؤية الهلال أضحت مسألة سياسية بحيث أصبح هناك هلال خاص بكل مجموعة متفقة سياسياً، وبما أن التوافق بينها لا يستمر إلى أكثر من سنتين فإنه يحدث أن تتخلى دولة أو أكثر عن هلالها السابق وتبحث عن هلال بديل.
ومن ثم فإنني لا أتعاطف مع العويل العربي حول امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية أو لمنظومة أقمار صناعية، فذلك العويل منطلقه «الحسد». ماذا تتوقعون من إسرائيل أن تفعل؟ أن تقول: والله يا جماعة معكم حق، فنحن جيران، وعليّ بالطلاق باكر أرمي جميع قنابلي الذرية في القمامة، وأقصف أقماري الصناعية بالصواريخ حتى لا تتجسس عليكم! دعونا نكون واقعيين، افترض أيها القارئ أنك تسكن في بيت شعبي عادي، وأن جارك بنى بيتاً من طابقين أو ثلاثة ولديه ثلاثة كلاب شرسة، ودخلت مع هذا الجار في مشاحنات لأنه من برجه العالي يستطيع أن يتطفل على كل ما يجري في بيتك «التعبان»، وكلابه تخيف عيالك وهم يتوجهون إلى المدارس أو العمل.
بإمكانك إزاء موقف كهذا أن تقضي الليل والنهار في الشكوى من هذا الجار المفتري، وأن تجعل منه مادة للنميمة كلما أتاك زائر، وبإمكانك أن تكون إيجابياً في حدود إمكانياتك – مثلاً – بأن تزرع أشجاراً عالية داخل بيتك بحيث تمنع جارك من التطفل عليك، بل وتلقي بأوراقها الصفراء داخل الطابق العلوي من بيته حتى يضطر إلى إغلاق تلك النوافذ. وبإمكانك أن تعمل بالناب وبالظفر لجمع المال للارتقاء ببيتك عدة طوابق حتى تمنع جارك الشمس والأوكسجين، ومقابل كلابه الثلاثة يمكنك أن تربي الفئران بكميات تجارية وتحفر لها أنفاقاً توصلها إلى بيت ذلك الجار لكي تفتك بالمؤن التي في بيته وتنشر فيه الطاعون وداء الكلب، ثم تقوم بإبلاغ السلطات بأن كلابه سعرانة فيجبرونه على التخلص منها، وفي جميع الأحوال ليس وارداً أن الصلح بينك وبين هذا الجار سيدفعه إلى هدم الطوابق العلوية من بيته، وقتل كلابه إرضاء لخاطرك.
عجيب أمركم: تقضون لياليكم في مشاهدة مسلسلات تلفزيونية كلها نسخة كربونية من بعضها البعض، وتستمعون إلى أغنيات تتسم بقلة الذوق والحياء، وتتحزبون لأندية كرة القدم وكأنما جميع مشاكلكم الأخرى محلولة. تلاقي مصرياً في الشارع وتسأله عن الطريق المؤدي إلى شركة كذا فيرد عليك: أولاً أنت أهلاوي وللا زملكاوي؟… في بيروت أيام الفتنة الأهلية كان رجل المليشيا يوقفك ويسألك: مسلم أم مسيحي؟.. سني أم شيعي أم درزي؟.. ماروني أم كاثوليكي أم بروتستانتي أم انجيلكاني أم مشيخاني؟ فإذا وجد المليشياوي أنك متفق معه في الدين أو الطائفة، يبدأ بسؤالك عن «انتمائك» الرياضي، وكثيراً ما سامح المليشياوي المسيحي فريسته المسلم، والمليشياوي المسلم فريسته النصراني، بسبب «التوافق الكروي»، ويا ويل من لا يتفق مع المليشياوي في الهوية الكروية!
استحوا على وجوهكم وتعلموا من النقار وجيري.