“دارفور”.. وقطعت “جهيزة” قول كل خطيب

حسم أهلنا في دارفور أمر خيارهم في شكل وطريقة وهيكل حكم دارفور الكبرى، لصالح الولايات بدلاً عن الإقليم الواحد، وذلك بظهور نتيجة الاستفتاء الإداري التي تم إعلانها بـ(السبت)، ولا تجيء قيمة هذه النتيجة من النسبة العالية التي أكدت على رغبة أهل دارفور واختيارهم لنظام الولايات فقط، بل تجيء أيضاً من ناحية أخرى لم ينظر لها الناس كثيراً، وهي أنه ولأول مرة تتم استشارة أهل دارفور في واحدة من قضاياهم الأساسية.. وجانب آخر مهم هو أن ارتفاع نسبة الوعي ودرجة المعرفة بالمستجدات الدستورية والقانونية والإدارية بين أهل دارفور، جعلتهم ينحازون لخيار الولايات بهذه النسبة العالية التي نعدّها نسبة في صالح الوعي على حساب الغيبوبة المسبّبة، ونسبة لصالح العلم على حساب الجهل الذي خيم في بعض المناطق والعقول زماناً طويلاً.
نتيجة استفتاء دارفور الإداري أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن المواطن هناك ميّال إلى الخروج من قضبان الماضي التي حدت من تطوره الإداري، وأنه ميّال نحو الانصهار في بوتقة العصر الإداري الحديث، بحيث تصبح الكفاءة والجدارة والتأهيل والاستحقاق هي المؤهل الحقيقي للقيادة وللوظيفة العامة.. ولأبناء دارفور على مر التاريخ القدح المعلى في العلم والفكر والثقافة والسياسة، وهو ليس بالأمر الجديد، لكن مقاعد الحكم وصوالين إدارة الشأن العام كان الجلوس عليها أو الدخول إليها مرهوناً ببطاقة القبلية والجهوية، رغم القدرات العالية التي يتمتع بها كثير من أبناء دارفور الذين حققوا نجاحات باهرة في مواقع العمل العام التي شغلوها في مختلف أنحاء السودان.
وهذا الأمر أعادنا إلى قضية الإدارة الأهلية التي أثرناها قبل يومين وتتابعت ردات الفعل حولها، وتواصلت حتى لحظة كتابة هذه المادة، خاصة في وسائط التواصل الاجتماعي والمجموعات الإسفيرية التي تضم ساسة وأهل فكر ورجالات صحافة وإعلام وشخصيات عامة، وقد عقب الأستاذ “عز الدين دهب” وقال إننا نكأنا جرحاً وتحدثنا عن المسكوت عنه، لذلك يتوقع أن نواجه هجوماً عنيفاً للحديث بشجاعة عن موضوع الإدارة الأهلية، ومعروف أن لها أدوارها العظيمة وغير المنكورة عبر التاريخ في تماسك لحمة المجتمعات المحلية، وأنها كانت حلقة الوصل ما بين السلطة والمواطن، وقامت بواجبها على أكمل وجه، وسدّت الفراغ الموجود، وكانت دائماً مستودعاً للحكمة والرأي السديد، لكنها اليوم وبعد أن تم تسييسها، وتحول بعض زعمائها إلى أعضاء داخل الأحزاب السياسية، فقدوا الكثير من التأييد الشعبي لأنهم لم يعودوا محايدين، ثم إن ضعف هذه الإدارات الأهلية مالياً أقعدها عن القيام بعملها على الوجه الأكمل أو المطلوب، لذلك تحتاج هذه الإدارات في شكلها الراهن إلى إصلاح عاجل وسريع وإلا أصبحت جزءاً من الأزمة.
وكتب معقباً الزميل الأستاذ “عادل سنادة” أن تلك المادة أحدثت حراكاً كبيراً بين النخب الدارفورية والنخب الإدارية في كل مجموعات التواصل، وربما أفضت إلى صيغة تحمل في طياتها الموجهات العامة لحل هذه المشكلة التي تفاقمت وأفرزت العديد من السلبيات.. وطالبنا بأن نمضي وأن نفتح باب الحوار بالكلمة لتغيير الواقع المؤلم إلى واقع مشرق، ولكن بعيداً عن التشنجات والوقوف أمام قاطرة التقدم.

Exit mobile version