تعد الشوارع العامة في أي مدينة من مدن العالم أهم المعالم الرئيسية الواضحة، والتي تشكل حيزا كبيرا منها.. وهذه الشوارع قد ترتبط بأسماء لها دلالتها، ففي الخرطوم عاصمة السودان نجد العديد من الشوارع الممتدة في جميع الاتجاهات ويطلق عليها أسماء أبطال كثيرين ارتبطت كل مجموعة من أسمائها بفترة زمنية أو حقبة تاريخية معينة واختفت أسماء الشوارع من قديم الزمان أو مازالت باقية حتى الآن.
ولاحظت موفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى السودان أثناء تجولها في الأحياء السكنية والشوارع والميادين العامة في السودان أن أسماءها تتنوع بين أسماء أحياء أو مدن عربية ظهرت بعد موجات الهجرة إلى تلك البلدان خاصة دول الخليج، ومن هذه الأحياء (الرياض، الطائف) مدن سعودية، و(المنشية، جاردن سيتي، العباسية، المعمورة) مصرية، و(الأندلس) مغربية، و(القادسية) عراقية.
ويرجع تاريخ تأسيس الخرطوم كعاصمة إلى العقود الأولى من القرن الـ19 أثناء فترة الحكم العثماني حيث اتخذت عاصمة للبلاد، وشهد القرن الماضي أول مرحلة من مراحل ازدهارها عندما شيدت العمارة في العهد البريطاني على النسق المعماري الإنجليزي، والذي مازال ماثلا للعيان في الأبنية القديمة مثل جامعة الخرطوم وبعض المرافق الحكومية المطلة على النيل، فيما تحول بعضها إلى متاحف مفتوحة للجمهور، وأيضا في بعض الجسور القديمة المقامة على نهر النيل والتي تربط الخرطوم بما يحيط بها من مناطق حضرية.
وتأسست الخرطوم كمدينة في عهد الخديوي محمد على باشا في عام 1821م، واتخذها الأتراك في البداية معسكرا لجيوشهم ثم تحولت إلى عاصمة لهم في عهد عثمان جركس باشا البرنجي عام 1824م، وذلك بعد تعيينه حكمدارا (حاكما) على السودان خلفا للحكمدار محمد بك خسرو الدفتردار.
وتوالت عمليات تخطيط الخرطوم منذ تشكيل أول لجنة للتخطيط العمراني في عام 1927م، وكان أبرزها تخطيط عامي 1946 و1950م، والذي شمل توسيع الطرق والشوارع وإنشاء الحدائق العامة والميادين وبناء امتدادات جديدة في الأحياء لاستيعاب موجات الهجرة السكانية نحو العاصمة، كما شهدت الخرطوم عملية تخطيط في عام 1958م خاصة في المنطقة القريبة من ملتقي النيلين الأبيض والأزرق (المقرن)، حيث برز نمط معماري جديد مغاير للنمط الاستعماري، كما تكررت العملية التخطيطية في عامي 1977 و1990م في المنطقة نفسها.
ولا يوجد نمط معماري معين أو لون طلاء محدد تتميز به الخرطوم، إذ توجد مختلف الأشكال والأنماط والألوان في المدينة، إلا أن من الممكن التمييز بين خطوط معمارية واضحة في طراز الأبنية من حيث تاريخ بنائها.. ففي المنطقة الشمالية المطلة على النيل الأزرق يظهر النمط “الكولونيالي” الذي يعود إلى القرن الـ19 والعصر الفيكتوري وما قبله.
وفي مباني الوزارات والدواوين الحكومية القديمة التي بناها الأتراك يتمثل فن العمارة المملوكية الإسلامية، مثل القصر الجمهوري القديم في المنطقة المحاذية للنيل الأزرق، وقد تم تخطيط هذه المنطقة وشوارعها في عهد الحاكم الإنجليزي هوراشيو هربرت كتشنر على شكل العلم البريطاني (الصلبان المتقاطعة رأسيا وأفقيا وعرضيا) مع الاستناد بشكل عام على مخطط العاصمة الأمريكية واشنطن وإدخال بعض العناصر العسكرية، كبناء ثكنات الجنود (مباني جامعة الخرطوم حاليا).. وفي عام 1908م تم تنفيذ مخطط ملكين، وهو بمثابة تعديل لتخطيط كتشنر متأثرا بتخطيط حي “جاردن سيتي” بالعاصمة المصرية القاهرة.
كما تشمل العمارة الحديثة مباني الأبراج العالية، مثل برج الاتصالات “سوداتيل”، وإدارة الخطوط الجوية السودانية، وأبراج القوات المسلحة المصمم إحداها على شكل بارجة والآخر على شكل طائرة، وبشكل عام تتركز مباني الأبراج بوسط الخرطوم ومنطقتي المقرن وبري.
ومن أشهر الشوارع السودانية التي مازالت تحمل أسماء شخصيات ورموز مصرية، شارع محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد ثورة 23 يوليو 1952، ولم يتغير اسم الشارع حتى الآن تخليدا لذكراه، حيث أنه ولد في الخرطوم لأب مصري وأم سودانية عام 1901.
ويقع شارع محمد نجيب جنوب الخرطوم، ومن ناحية الغرب يبدأ الشارع من جنوب شارع “15 العمارات”، ويمتد جنوبا حتى طلمبة الغالي والسوق المركزي، ويمر بأحياء (المزاد، والحجر “المساكن الشعبية”، والزهور، والديم، والقنا شرق) ثم يمر ببيوت البنك العقاري، وأخيرا يأتي حي الصحافة شرق، وعدد من المستشفيات.
وهناك أيضا شارع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر المتفرع من شارع زبير باشا وسط الخرطوم، ومازال يحمل نفس الاسم، ومعظم مبانيه آثرية فيوجد به مسجد الخرطوم العتيق وبيت الحاكم كتشنر.
يشار إلى أن جمال عبد الناصر تخرج من الكلية العسكرية في شهر يوليو 1937م، ورقي إلى رتبة ملازم ثاني في سلاح المشاة عام 1941م، وطلب نقله إلى السودان، وهناك قابل عبد الحكيم عامر، ثم عاد ناصر من السودان في سبتمبر 1942م.
ولعب ناصر دورا مهما في تعزيز التضامن الأفريقي في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وخلال هذه الفترة جعل مصر ملجأ للقادة المناهضين للاستعمار، وابتداء من عام 1958م لعب ناصر أيضا دورا رئيسيا في المناقشات بين القادة الأفارقة مما أسفر عن إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963م.
وإلي جانب ذلك هناك حي “امتداد ناصر”، وهو من أعرق أحياء الخرطوم ويقع بولاية الخرطوم، وكان سابقا عبارة مساحة واسعة يجري فيها الجيش عمليات ضرب النار، ويمتد مع امتداد البراري، ويعود أصل تسميته لتزامن زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1969م مع توزيع السكن في الحي على الأهالي.
ويحد الحي من اتجاه الغرب شارع “عباد ختم”، ومن اتجاه الشرق حي “المنشية”، ومن الشمال حي “كوريا”، ومن الجنوب حي “الرياض”، وتوجد به العديد من المدارس بما في ذلك مدارس الجاليات الأجنبية المقيمة فيه، ومنها (مدرسة ناصر الابتدائية للبنات – ومدرسة قرنفي الثانوية).. وتزين الأشجار الحي، ويمتاز سكانه بممارسة النشاط الثقافي والرياضي، ويوجد به (ستاد ناصر) الرياضي، ومسجد باسم الحى “امتداد ناصر”.
وهناك أيضا شارع إسماعيل باشا نسبة إلى إسماعيل باشا نجل محمد على باشا قائد الحملة على السودان عام 1821م، وأصبح الشارع حاليا باسم على عبداللطيف أحد رموز المقاومة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني في السودان.
أما على مستوي الميادين العامة بالسودان، فهناك من أشهرها “ميدان عباس” نسبة إلى الخديوي عباس، وتحول اسمه لاحقا إلى ميدان الأمم المتحدة، ثم أقيمت في مساحته مكتبة القبة الخضراء، ومول الواحة.. وهناك أيضا الجامع العتيق (مسجد الخرطوم الكبير)، وكان يطلق عليه سابقا مسجد عباس حيث افتتحه الخديوي عباس في 4 ديسمبر 1901م عند زيارته للسودان، فيما كان الخديوي عباس قد أمر عام 1850م بإنشاء مدرسة الخرطوم.
أ ش أ