في ظني أن السياسة السودانية تحتاج لحملات إنعاش مكثفة، لكن ذلك لن يحدث دون الخطوة الأولى، وهي الخطوة الإصلاحية التي ستكون الأكثر (انقلابية) ودراماتيكية في تاريخ العمل السياسي المثقل بناشطين ذوي ذاكرات خربة، وخيالٍ جديب، لذلك وكي ما نتقدم خطوة نحو الإصلاح ينبغي علينا أن نطيح في المرحلة الأولى الرجال ما فوق الستين إطاحة لا لبس فيها ولا غموض، بأن نقصيهم من المشهد برمته، يلي ذلك، تدريجيًا تقليص عدد الرجال الممارسين لهذه المهنة واستيعاب مزيد من النساء وإحلالهن في (الأماكن الشاغرة)، مع الإبقاء على عينة صغيرة من الرجال من ذوي التوجهات السلوكية النسوية. وكي لا تفهم العبارة بشكل غير لائق وتُفسر على نحوٍ (مقيت)، كما العادة، فإنني أعني بـ(السلوكية النسوية)، أمورا عديدة ذات صلة بالخُلق (الأخلاق) النسوية، لا أكثر لا أقل.
والحال، إنه فيما لو حشدنا المشهد السياسي بالنساء ومن ثم حقناه بالرجال النسويين، فإن أمورا كثيرة سيصيبها الصلاح والفلاح، لجهة أن
النساء وأشباههن من الرجال وبحسب دراسات علمية مُعمقة يعتبرون الأقل نزوعًا نحو الفساد المالي والإدراي، كما أنهن/ أنهم الأقل ميلاً نحو الكذب والأكثر اتجاهًا نحو الصدق في الأقوال والأفعال. وفوق هذا وذاك فإن النساء يحُزن قدرات هائلة على الانحياز إلى السلام ونبذ الحرب، والانصهار في مجتمعات أخرى مجاورة أو بعيدة، بجانب حرصهن البالغ واهتمامهن منقطع النظير بالتفاصيل، يقلبن الأشياء ظهر قلب ويتفرسنها جيدًا قبل أن يتخذن قرارا إزاءها، ثم إنهن وأمثالهن الذكور يميلون إلى حب الحياة والجمال والاحتفاء بهما، فتتحول البلاد إلى خضرة وماء ووجوه حسنة ونظافة أيد وأبدان وذمم وسلام وأمن ورخاء وتعليم وصحة وكهرباء وغاز، فالنساء لا يحتملن انقطاع الخدمات الحيوية عن بيوتهن، كما أنهن نزاعات نحو الاحتفاظ بالأشياء القديمة، فلن تسمعوا حين يتولين أمركم أخبارا مثل إخلاء جامعة الخرطوم، فتتحسسون قلوبكم حين تحسبونها الخطوة الأولى لبيعها في مزاد علني.
وفي السياق هذا، يقول العلماء إن المرأة أفضل من الرجل في الذاكرة القصيرة أي أنها تتذكر الأشياء التي حدثت قبل قليل بسرعة أكبر من سرعة الرجل، ولكن الرجل يتفوق عليها كثيراً في مجال الذاكرة الطويلة (يعني بتاع تاريخ وكده)، وهكذا نجد السياسيين الراهنين وأسلافهم السابقين يتجنبون الحديث عن الأوضاع الماثلة مهما كانت مزرية، ويذهبون بالشعب كله إلى كرري وأم دبيكرات وشجرة غردون وأغاني الحقيبة، وقال الأزهري وقال المحجوب، مع حفظ المقامات وإجزال (الاحترامات)، لكنهم يفتقدون الذاكرة القصيرة المتصلة بـ( قفة الملاح، مصروف العيال والسكر والشاي والرغيف و….. و….)، لذلك قال الباحثون في هذا الصدد إن الإيقاعات اليومية تؤثر بشكل أكبر على النساء مقارنة بالرجل، خاصة على القدرات الإدراكية وعزوا ذلك إلى وجود فرق في نشاط دماغي المرأة والرجل، كما أن دماغ المرأة يكاد يكون مختلفا تماما في أسلوب عمله عن دماغ الرجل. وهناك بحث جديد أظهر أن المنطقة ذاتها في كل من دماغي الرجل والمرأة عندما يقومان بنفس العمل تنشط بشكل مختلف، فبينما يتضاعف احتمال تفكير الرجل في سرقة أموال الخزانة الموكلة إليه، ترهق المرأة الموكلة إليها ذات المهمة دماغها في كيفية الحفاظ على الخزانة وصيانه محتوياتها.