عبد الجليل سليمان

دامت الأفيال وظلالها

ولو كانت الأخبار نقيّة الألوان، صادقة، براقة وذات أُشر، لسرت بين الناس كخيال (سُليمى) ولتخلت الصحف حينها عن (مينشيتاتها)، واكتفت بعناوين صغيرة، وصور أصغر، ومعلومات وفيرة لكنها مختزلة و(مكبسلة)، دونما إطناب ولا إسهاب ولا اندياح ولا تمدُدْ.
وشتيت الأخبار (المحلية) وأشتاتها يمكن أن تُحزم كلها في (عنوان جانبي) من ثلاث كلمات خالية من الهمزات واللمزات والواصل والموصول، لكن يوميات الخرطوم (مسكينة) لذلك تستطرد وتستزيد في كل شيء، فتبدو وكأنها تلبس (بنطلون) أوسع من خصرها وما تحته، فلا هو على طريقة السيستم فيوقفه نتوء ما، ولا منضبط محزوم مشدود الوثاق، مثل هذا يطلقون عليه شرعًا مصطلح (الكاسي العاري).
وهكذا تبدو الصحف، ليس فقط تتزيأ بواسع الثياب وفضفاضها، بل وتحتذي نِعالاً يُخاصم أقدامها، فتبدو ظالعة بعد نصف خطوة فقط من سيرها المتعثر، والخلل ليس لازمًا ذا صلة بالأمور التقنية الداخلية فحسب، بل مُتعديًا إلى خارجٍ يشتط في حساسيته تجاه المُنجز الصحفي على ضآلته و(هوانه).
هنا لا يمكنك الحصول على معلومة، فكل شيء ممنوع حتى تصوير حادث سير في زقاق ضيّق، لكن، ولأن الممنوع مرغوب، فإن مصادر الأخبار الأكثر حداثة والأسرع إنباءً من الصحف كـ (واتس وفيس)، ومن لف لفهما، تجد فرصتها سانحة لتملأ هذا الفراغ، ثم تبدأ (الخرخرة) الرسميّة بالشروع في نفي ما (لا يُنفى) بعبارات مستهلكة وقديمة (هذه محض شائعات، يطلقها المخربون والـــ …. إلى آخر المفردات)، ولا يثمر النفي إلاّ عن تعضيدٍ الشائعات وتكريسها.
والحال، إننا حين ننصح، نفعل ذلك قبل (منعرج اللوى)، لكن الجهات المختصة التي اعتادت على الوقوف بين (الدخول وحومل)، لا تأبه، إذ أنها من ذاك الصنف الذي (لا يستبين النصح إلا ضحى الغد)، وحين تقع الواقعات العظام تكثر (البتابت)، وتتهم الصحف وتستدعي وتوقف وتصادر، فيما لا أحد يقترب من الفيل ولا ظله.
المؤسسات الحكومية، الوزارات، الهيئات، هي تلك الأفيال التي تحجب المعلومات عن الصحف، وتُسربها إلى هداهد (واتس اب، وتويتر، وفيس) ومن تواشج معهم ووقع عليهم من طيور إسفيرية أخرى كـ (قوقل بلس) على سبيل المثال، وكل هذه المستويات ليست إلا ظلال لأفيال الحكومة التي تخشى الصحافة فتخفي عنها المعلومات وتشن عليها حربًا ضروس، فيما تضيق ذرعًا ما تخبئة في صدورها فتنفثه كخيوط دخان في الواتس أب دون أن تعي أن ذلك سيقودها إلى حتفها، عاجلًا أم آجلاً.
بطبيعة الحال، فإن تحقيقًا صحفيًا يعده الآن، أحدنا، على طريقة (أوراق بنما)، سيزلزل الدنيا ويهز أركانها، تحقيق يمحص ويدقق في أي خبر أو معلومة نشر/ نُشرت على (واتس أب) بالذات، خلال الثلاث سنوات المنصرمة، بما فيها الربع الأول من (2016) ثم تنصلت عنه (الأفيال) معتبرة إياه/ إياها محض شائعة زائفة، فيما يثبت التحقيق المزمع أن الكثير من تلك التسريبات لم تكن شائعات بل حقائق، ويبذل (أحدنا) هذا، جهودًا مضنية وشاقة شديدة المهنية في إنجاز تلك المقاربة.
إلى ذلك، سينشر التحقيق أم يمنع، فإن على الجميع أن يعلموا أن الجميع يعلمون بأن وارد واتس وإخوانه ليس كله شائعات. ودمتِ أيتها الأفيال ودامت ظلالك.