أخرج اليوم لخدمة هذه الفكرة.. جدلية ولاية الدولة على الفضائيات الخاصة.. وذلك على خلفية محورين اثنين، المحور الأول يتجذر في قناعة لي قديمة في أن هذه المخلوقات الإعلامية الولائية إن لم تنهض وفق رؤية إعلامية استراتيجية محكمة لتوظيف ميزة التنوع الثقافي الذي تتمتع بها بلادنا.. فإنها لا محالة ستكون أداة لتفتيت التجانس الثقافي القومي ومعولاً لتشتيت (وجدان الوعي الجمعي).. على أن ثمة خيطاً رفيعاً يفصل بين أدبيات توظيف التنوع لصالح المجموعة.. وبين استخدامه لصالح الجهة والقبيلة خصما على الثقافة المركزية .
وفي هذا السياق تطربني جداً مقولة حصيفة قيلت ذات لحظة حضور وطني طاغٍ.. قول أحدهم “لا أطرب إلى أغاني أهلنا الشايقية بقدر ما أطرب إلى الشايقي عثمان حسين لأنه خاطب الأمة السودانية من المركز بأدوات خطاب فني جمعية”.. في هذا المضمار أيضاً قال لي أحد الإخوان الذين يشتغلون بقضايا الفكر والثقافة.. على خلفية مشروع الأمة السودانية القومي.. انفعل جدا إذا ما أتتني دعوة لإقامة محاضرة بمربعات الصحافة وحارات مدينة الثورة وأحياء بحري و.. و.. لأن الحي السكني يضم كل بطون أبناء السودان ذلك بعكس المحاضرات التي تقام (بروابط المناطق وأنديتها).. فكما لو أنك في هذه الحالة ترسخ لهزيمة قيمة القومية في عقر مدنها، حيث يفترض أن المدن والحضر مواعين للانصهار والتلاحم الوطني و.. و..
* أما الدافع الثاني الذي حرضني على فتح هذا الملف.. هو أنني من خلال متابعتي للقنوات الفضائية المصرية الخاصة وجدتها تنضم إلى القناة الأولى الرسمية عند إذاعة النشرات الرئيسة.. وذلك مما يعزز قيم الوجدان القومي في بلد متماسك القومية.. ونحن أحوج ما نكون لهذه الثقافة من الدولة المصرية التي لا تعاني من تفشي ثقافة (كناتين التجزئة الجهوية العشائرية) و.. و…
* وثمة شيء آخر لا يقل أهمية عن بقية المحاور الأخرى.. فكما لبنك السودان ولاية على المصارف والبنوك يوظفها لصالح اقتصاد البلاد.. كأن يحدد سقفاً معتبراً للتمويلات الزراعية كهدف استراتيجي وطني.. ثم على ضوء هذا السقف تنهض لائحة جزاءات صارمة جدا حتى لا يحدث انفلات ثقافي.. وعليه أتساءل هنا في المقابل عن أدبيات ولاية الدولة على الفضائيات حتى لا تحدث لمجتمعنا عمليات انفصام وانفلات ثقافي.. وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة أنا لا أتحدث عن حجر حريات بقدر ما أتحدث عن سقوفات إعلامية يتضمنها عقد البث.. فلأي دولة خصوصيتها ومطلوباتها التي تخدم من خلال مشروع وطني محسوب البرامج محسوم التوجهات.. كأن ينص على إنتاج برنامج زراعي متقن يحرض الناشئة والشباب على حب الأرض.. ويبث في وقت عالي المشاهدة والاستماع مرتفع الإحساس الوطني و.. و..
* في كثير من الأحيان لا أفرق بين فضائيات إرتريا وإثيوبيا وفضائيات بلادي إلا (بالسلم الموسيقي الخماسي)، ولئن تساوينا في السلالم فبالشعارات.. على أن الصعود إلى هذه السلالم دون رؤية ومضمون ربما ينتهي بنا إلى الهاوية..
* لا أعرف إلى من أوجه هذه الرسالة.. إلى وزارات الإعلام.. أم وزارة التربية والتعليم.. أم المجلس الوطني.. أم التخطيط الاستراتيجي.. أم المجلس القومي المصنفات الفنية أم وزارة الحكم الاتحادي؟ لكم جميعا أهدي هذه الأغنية.. وبعدها فاصل غنائي.. وبعده أعاني وأعاني.. تصبحون على خير.
* مخرج.. تحتدم أهمية هذا الموضوع في ظل تطلع كل الولايات إلى دخول ماراثوت (الفضائيات الخاصة).. بالأمس بورتسودان وكسلا واليوم مدني وعطبرة وغداً الجنينة ودنقلا.. فإن لم يتم هذا الأمر وفق رؤية استراتيجية سيكون حتماً خصماً (تماسك الدولة القومية)!!