* أمر محيّر ما يقال عن (تعافى) الاقتصاد السوداني على ألسنة المسؤولين السودانيين، والجنيه السودانى كل يوم، بل كل ساعة في انخفاض حاد مقابل العملات الأجنبية، وأسعار السلع في علو وارتفاع كارتفاع الصاروخ في السماء، إلا إذا كان الذين يتحدثون عن هذا التعافي يحكمون بلدا آخر، أو يقيّمون الأوضاع بما هم فيه من نعيم ورخاء، وبما يكنزون من ذهب وفضة ودولارات، فكلما ارتفع الدولار الأمريكي وانخفض الجنيه السوداني المسكين، ازدادوا ثراءً ونعيماً، وسهلت عليهم الحياة والمعيشة في السودان!!
* قبل بضعة أيام وفي احتفال نظمته السفارة السودانية بواشنطن في حضور السيد وزير المالية السوداني بدرالدين محمود، ولا أدري ما هي مناسبة الاحتفال، فلا شئ يدعو للاحتفال وتبديد الدولارات، إلا إذا كانت المناسبة هي مناسبة اللامناسبة بتشريف السيد الوزير للعاصمة الأمريكية ومقر السفارة السودانية بواشنطن التي لا بد أن تحتفي بهذا التشريف الكبير وتقيم الاحتفالات التشريفية للضيف الكبير..
* في هذا الاحتفال تحدث السيد الوزير عن الاقتصاد السوداني والبرنامج الإصلاحي الاقتصادي، وقال إن المؤشرات لدى بعض الدوائر كانت تؤكد انهيار الاقتصاد والنظام بعد انفصال الجنوب، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، واتضح أن السودان لديه مقدرة على إدارة أزماته، وأضاف “لقد تم الأمر بصعوبة وتضحيات، ولكننا عبرنا النقطة الحرجة”!!
* يلقي الوزير هذه القصيدة العصماء في مدح الاقتصاد السوداني، وسعر الدولار الأمريكي كاد يتجاوز الأربعة عشر جنيهاً سودانياً، وقد كان قبل عام، نصف ذلك المبلغ، وكان قبل أربعة أشهر عند إجازة ميزانية عام 2016 أحد عشر جنيهاً، أي أنه ارتفع ثلاثة جنيهات في غضون أربعة أشهر فقط!!
* عندما أجيزت الميزانية كان العجز المتوقع حوالي (2%)، ولا شك أن النسبة سترتفع كثيراً مع ارتفاع سعر الدولار الذي لا يتوقف، وعندما تجد الحكومة نفسها في ورطة وميزانية منهارة، ستلجأ بالطبع الى أسطوانتها المشروخة (رفع الدعم)، وسترفع الدعم (المزعوم) عن بعض السلع، وترفع معه الأسعار، كما فعلت مع غاز الطهي وماء الشرب من قبل، ويغرق المواطن المسكين، الغارق أصلاً، في بحر الأسعار الهائج الذي لا يتوقف عن الهيجان، فكيف نبلع كلام السيد الوزير بأن الاقتصاد غير منهار، وأننا عبرنا النقطة الحرجة، إلا إذا كان يقصد بـ(نون الجمع) في كلمة (عبرنا)، الحكومة وسدنتها وأعوانها وليس الشعب، وهم فعلاً (عبروا)، ولم يكونوا أصلاً (خائضين) أو (سابحين)، بل كانوا دائماً في البر، وتحتهم وحولهم زكائب ضخمة من الدولارات تحميهم من السيول والفيضانات والبحار الهائجة، أما الشعب والجنيه المسكين، فلا!!
* الشعب لم يعبر يا سيادة الوزير، بل غارق في أمواج الأسعار الهائجة وفي الديون وفي الإحباط، أم إنك لا تعرف ذلك ولا ترى البؤس الذي يعيشه الشعب وأنت تجلس في برجك العاجي.. ألم يحدثك أحد عن زيادة اسعار السكر والشاي والصابون وزيت الطعام والعدس خلال اليومين الماضيين اللذان كنت تحتفل فيهما مع طاقم السفارة بواشنطن بتعافي الاقتصاد السوداني وعبوركم للنقطة الحرجة؟!
* ألم يقل لك أحد الحاضرين أن جوال السكر ارتفع من 310 الى 360 جنيهاً، وكرتونة الشاي من 290 إلى 330، وجوال البصل من 110 الى 160 جنيهاً، وجوال العدس من 210 اإلى 240، وجركانة زيت الفول من 230 إلى 270، وكيلو اللحم البقري من 30 الى 50، وهلم جرا.. ألم يحدثوك عن هذه الزيادات وأنت تحتفل معهم وتحدثهم عن تعافي الاقتصاد وعبور النقطة الحرجة، يا سيدي الوزير، أي نقطة حرجة عبرناها، وأي اقتصاد تعافى، إلا إذا كنت تقصد اقتصادكم أنتم، وليس اقتصاد الشعب؟!
* سيدي الوزير، الشعب يئن، والجنيه يئن، والدولار يسرح ويمرح، وأنتم في جو تاني ومكان تاني تقيمون الاحتفالات بتعافي الاقتصاد وعبوره للنقطة الحرجة، ووزير دولتكم للمالية يصرح في الخرطوم رداً على سؤال عن ارتفاع سعر الدولار بأن ذلك غير صحيح، وكأن الدولار نظرية فلسفية يختلف حولها الفلاسفة، وليس عملة متداولة في السوق لها سعر معروف يعرفه كل من هب ودب، حتى الذي لم يسمع في حياته بعلم الحساب.. أين تعيشون أنتم، سيدي، وعن أي اقتصاد تتحدثون؟!