محمد لطيف : عادت الجزر.. فهل تعود حلايب؟! 4

كان من رأيي بالأمس أن مصر بعد أن فرضت أمرا واقعا بفرض سيطرتها على الأرض في حلايب فإنها لن تقبل بأي من الخيارين اللذين يطرحهما السودان وهما التفاوض المباشر أو التحكيم.. وقلت إن السودان سيميل إلى التفاوض المباشر مراهنا على دور سعودي.. ثم تحاشيا لمواجهة قانونية تكون المملكة طرفا فيها.. وختمت تحليل الأمس بالتساؤل التالي: (ولكن ماذا يمكن أن تفعل المملكة حال رفض مصر الحضور إلى مائدة التفاوض أصلا؟)..
وقد فوجئت بعد ذلك برسالة على بريدي الخاص من البروفيسور فيصل عبد الرحمن علي طه تحمل مقالا مطولا.. معززا بجملة من الأسانيد والحجج ردا على بيان وزارة الخارجية السودانية.. مما يوجب قراءته والتعليق عليه لما حواه من مؤشرات وأفكار جديدة.. سيما تلك الإشارة الخطيرة إلى أن تهنئة وزير خارجية السودان للسعودية ومصر بالاتفاق على ترسيم الحدود يمكن أن يؤخذ كاعتراف سوداني بوضع حلايب تحت السيادة المصرية، خاصة وأن الوزير يعلم أن الاتفاق كما أعلنت مصر يستند على قرار يعتبر حدود مصر هي خط العرض 22.. وهذا مبحث آخر ليت جهات الاختصاص بوزارة الخارجية تعقب عليه.. غير أن ما لفت نظري في مقال البروف فيصل.. هو تلك الفقرة الأخيرة التي جاء فيها: (دعا بيان وزارة الخارجية موضوع هذا المقال، الأشقاء في مصر للجلوس للتفاوض المباشر لحل مسألة حلايب أو اللجوء إلى التحكيم الدولي. إن التفاوض والتحكيم إجراءات رضائية تتوقف على موافقة الطرفين. ومن المستبعد تماماً أن تقبل مصر أياً من الإجراءين لأنها قد أحكمت قبضتها على إقليم حلايب وضمته إلى السيادة المصرية: فماذا نحن فاعلون؟).. وهذا عين ما توقعته أنا أيضا.. وهو ذات السؤال الذي طرحته أنا.. غير أن ثمة فرقا جوهريا.. فأنا كنت أتساءل عن موقف المملكة كوسيط.. والبروف تساءل عن موقف السودان كصاحب قضية..!
ولا شك أن للبروفسير فيصل كخبير ولآخرين كثر.. وللدولة كذلك خيارات أخرى.. ينبغي أن تطرح على بساط البحث والنقاش استباقا.. لعلى أشير هنا ايضا إلى أن بروفيسور فيصل كان قد أعاب على الخارجية عدم انتهاجها نهج الدبلوماسية الاستباقية.. عوضا عن دبلوماسية الانتظار.. كما ورد في بيان الخارجية.. وسماها البروفيسور فيصل.. ونعود للإجابة عن سؤالي عن موقف المملكة.. والواقع أن المملكة ليس لديها ما تفعله غير تهدئة الخواطر.. والسعي للملمة الخلاف.. وربما الضغط على مصر للوصول إلى تسوية مع السودان.. وإن تعذر ذلك.. وهو الأرجح.. فربما تلجأ المملكة لإقناع الطرفين.. كلا على حدة.. بالذهاب إلى التحكيم كخيار سلمي مقبول وباعتباره آخر العلاج.. والتحكيم بالنسبة للسودان خيار مقبول.. لأنه قد طرحه أصلا كواحد من خياراته.. ولكن هل هو مقبول لمصر..؟ الإجابة بالطبع لا.. لا لأن مصر رفضت خيار التحكيم كما رفضت خيار التفاوض المباشر.. بل لأن كثيرا من المؤشرات الراشحة حتى من داخل مصر.. تؤكد أن الموقف القانوني لمصر ضعيف في هذه القضية.. فما الحل بالنسبة لمصر..؟ فليس في مصلحة مصر الظهور بمظهر المتعنت أمام المجتمع الدولي.. وأمام الوسيط كذلك.. والذي يرفض كل الحلول المطروحة لا يمكن أن يكتفي بالرفض فحسب.. فلابد من موقف أكثر منطقية ومقبولية من مجرد الرفض.. حينها ربما.. أقول ربما.. تشهر مصر سلاح الاستفتاء ..! وأختم مستعيرا سؤال البروفيسور فيصل.. فماذا نحن فاعلون..؟!

Exit mobile version