لا أكاد أصدق أنني ظللت أكتب مقالا يوميا في هذه الصحيفة منذ عام 2002، والأعجب من كل ذلك هو أنه لم يغب اسمي وزاويتي «الغائمة» يوما واحدا عن صفحاتها منذ 14 سنة (قولوا ما شاء الله)، نعم لم يختف اسمي من هذه الصحيفة يوما واحدا طوال تلك السنوات (من فضلك دقيقة لأحسب عدد مقالاتي فيها طوال تلك الفترة مستعينا بنظام الحساب في الكمبيوتر. معذرة فالمسألة معقدة لأنّ هناك سنوات كبيسة وسنوات بسيطة، ولكن بالتقريب نشرت نحو 4860 مقالا في أخبار الخليج حتى الآن).
وما زلت مندهشا: كيف صبر الجماعة في «أخبار الخليج» عليَّ، أو كيف صبرت عليهم مدة تعادل على وجه التقريب نصف المدة التي قضيتها في عالم الصحافة؟ حتى صحف بلادي التي رحبت بي لم تصبر عليَّ أو أصبر على أي منها أكثر من خمس سنوات، فإما اسكتوني بأوامر عليا لأنني أخوض فيها في مياه ساخنة، وإما طفشت منها لسبب أو لآخر، ومنذ أن احترفت كتابة الأعمدة الصحفية تعاملت في قطر مع صحف الشرق والوطن والراية، وفي لندن مع مجلة المشاهد السياسي وجريدة القدس العربي ومجلة المجلة، وفي السعودية مع صحف الوطن وعكاظ واليوم، وفي السودان مع صحف الراي العام وحكايات والسوداني والصحافة، ولم أصمد في أي منها أكثر من خمس سنوات متتالية.
ولهذا ظللت أسائل نفسي طوال الأيام القليلة الماضية: أي سحر وأي كيمياء جعلاني التصق بـ«أخبار الخليج» أربع عشرة سنة متتالية؟ بالتأكيد لم يكن ذلك لأنّ الصحيفة تعطيني مكافأة مهولة نظير مقالاتي المنشورة فيها، ولا لأنّ هناك علاقات صداقة شخصية قوية تربطني برئيس أو مدير تحريرها أو أي من كبار المسؤولين فيها، فقد زرت مقر الجريدة مرة واحدة، وجالست عددا من العاملين فيها ليلة واحدة في ضيافة/ بيت رئيس التحرير الأستاذ أنور عبدالرحمن.
التفسير المنطقي الوحيد لاستمرار علاقتي بهذه الصحيفة سنوات طوال بلا انقطاع، هو أن إدارتها تتعامل باحترام شديد مع العاملين فيها وكُتّابها، وهذه نقطة يعرف أهميتها من ابتلاهم الله بامتهان الصحافة، فالصحفيون والكتاب لا يختلفون عن لاعبي كرة القدم في النطنطة من جهة لأخرى، ولكن لفت انتباهي أنني لست وحدي من صمد في «أخبار الخليج» طويلا، فجميع المحررين الذين تواصلت معهم منذ أن بدأت الكتابة فيها ما زالوا موجودين فيها، ويلاحقونني بأثقل المكالمات والرسائل الإلكترونية على قلبي «رصيدك لدينا خلصان. أرجو إرسال مقال ليوم غد والأيام التالية»، أو بالمعايدات والسؤال عن الحال وثمة أمر قد يجد كثير من الكتاب الصحفيين حرجا في الخوض فيه، وهو أمر المقابل المادي نظير الكتابة، فقد قطعت علاقتي بعدة صحف كتبت فيها مقالات يومية، لأنها صارت تتعامل معي كفاعل خير، ولا تدفع لي المكافأة المتفق عليها بيننا، أو لأنها تدفع لي تلك المكافأة موزعة على بضعة أقساط في السنة، بينما ظلت «أخبار الخليج» تودع مكافأتي في يوم معين من كل شهر على مدى السنوات الـ14 بانتظام مثير للاحترام، ولا يحسبن أحدكم أنني أتقاضى مبلغا يسيل اللعاب من هذه الصحيفة، بل أقول بكل قلة حياء إنها تدفع لي واحدة من أقل المكافآت التي تقاضيتها من صحيفة خليجية على مدى قرابة 25 سنة، ولكن عندما تفي صحيفة بالتزامها نحوك من دون أن تضطر الى ملاحقتها، وعندما يكون ذلك مقرونا باحترام لشخصك في المراسلات والمكالمات الهاتفية، فإنك – لو كنت محترما – لن تقابل كل ذلك سوى بالاحترام «الأشد»، والالتزام والوفاء.
التحية لـ«أخبار الخليج» من أكبر رأس فيها إلى حارس مدخلها. شكرا لأنكم فتحتم لي صفحاتكم وقلوبكم واستضفتموني ثم جعلتموني من «أرباب المنزل»، وهذا ما يقوله غوغل وشركاه الذين ربطوا بين اسمي واسم الصحيفة حتى تماهيت فيها وتماهت فيّ.