سبقت بث برنامج (شاهد على العصر) الذي يطل من خلال فضائية “الجزيرة”، سبقته حالة من الترقب والحذر، كلٌ على هواه، فالذين يحملون كرهاً للإنقاذ وينتظرون أي ثقب في مركبها لتغرق كانوا يتوقعون أن يقول “الترابي” فيها ما لم يقله مالك في الخمر ليقولوا شهد بذلك شاهدٌ من أهلها، أما الذين ظلوا متربصين بالتقارب الذي حدث بين المؤتمر الشعبي والوطني فقد انصب همهم في أن يمثل حديث “الترابي” (إسفيناً) يشق الصف و(يفرتق) جسور التقارب بينهما، لكنني ولا أدري كم مثلي، كنت أنتظر أن أسمع وأشاهد “الترابي” بعد هذا العمر من المجاهدات ورصيد التجارب والخبرات والابتلاءات والنجاحات كيف يصف الماضي وكيف ينظر للمستقبل، لأنني على قناعة أن أمثال “الترابي” لا ينطقون عن الهوى ولا يتحدثون إلا بميزان الذهب، ولا شك لديّ أبداً في وطنيتهم مهما اختلفت الرؤية في المنصات التي يقفون عليها، وقد يكون ولأن الكثيرين كانوا ينتظرون أن يقول الدكتور “الترابي” ما يريدون قوله هم، فات عليهم أن يلاحظوا كم الانتماء وأطنان الانحياز الذي أبداه الرجل هو يجبر “أحمد منصور” مقدم البرنامج أن يتخلى عن عادته في (الغلاط) وتجنيب المتحدث في الحيز الذي يريده.. و”الترابي”- عليه الرحمة- في هذا البرنامج أكد قوميته غير المتنازعة، التي ليس فيها شيء من الضبابية أو الرمادية كحال الكثيرين، والرجل يفحم “أحمد منصور” ويلقمه حجراً عندما قال وعلى رؤوس الأشهاد إن السودان كان هو هدف “محمد علي” الرئيسي ومصر بالنسبة له كانت على الهامش بمعنى أن احتلال مصر كان بالنسبة لـ”محمد علي” وسيلة للوصول للهدف الرئيسي وهو الوصول للسودان. وقال الراحل الكبير في إفادات يريد لها البعض أن تتغبش أو يسكت عنها لتصبح في طي الكتمان، قال إن بعض الرموز الذين حكموا مصر هم من جذور سودانية، وكان يعني “محمد نجيب” و”محمد أنور السادات” وهو ما يحرص الإعلام المصري أن يجعله من الأخبار المحرم تناولها حتى لو كانت حقيقة بحجم الشمس، وأكد “الترابي” لـ”أحمد منصور” (الغالاط) أن السودان طول عمره كان ملاذاً للشعوب المجاورة ومعظم من عبروا بأراضيه لأداء الحج طاب لهم به المقام.. وأجمل ما أطربني في حديث الراحل العظيم ولحظتها انتزع مني سيل الدعوات له بالرحمة والمغفرة، أنه قال لـ”أحمد منصور” إنه ولد في كسلا ونشأ في كردفان، وإن قريته التي تحمل اسم جده هي في وسط السودان، ليضرب مثلاً في السودانوية والانتماء المتجرد حينما قال: (هؤلاء كلهم أهلي وعشيرتي)، فلم يتعنصر لقبيلة ولم ينحاز لمنطقة. أكثر ما أعجبني أن شيخ “حسن”- عليه الرحمة- كان واعياً لمحاولات “أحمد منصور” أن يسوق الشيخ إلى اعتراف أن الأنظمة المصرية فرطت في السودان، لكن “الترابي” برهن له أن السودان تأثر بمصر وأثر فيها، وأن علاقته بها علاقة أنداد وليس تابعاً ومتبوعاً.
هذا هو شيخ “حسن” الذي قدم محاضرة حتى وهو مقبور تحت الثرى عن كيف يكون الدفاع عن الوطن والهوية بهدوء أنفاس ومنطق وحجة تخرس أكثر السامعين تعصباً وغلاطاً ولو كان بدرجة “أحمد منصور”.
{ كلمة عزيزة
قالت البت الشقية “هناء إبراهيم” أمس في زاويتها المقروءة إن صديقتها (انشال) حالها لأنها صدقت في كتابة التعبير عن الخريف ووصفت حاله بأنه أكثر فصول السنة مأساوية في السودان.. ورغم التعبير معناه أن يعبر الشخص عن الواقع المشاهد كتابة كان مطلوباً من المسكينة أن تعبر من الخيال، وتقول إن الخريف هو الفصل الأجمل في السودان حيث تزقزق العصافير وننعم بالغيوم والحدائق الغناء.. وبالمناسبة حال صديقة “هناء” ليس ببعيد عن حالتي وأنا أكتب يومياً عن الواقع المؤلم والمؤسف والمشاهدات التي توضح معاناة البني آدم السوداني الذي تكاثرت عليه الضغوط، لكن للأسف ليس هناك من تجاوب ولا تغيير في الأحوال، وأكيد ما عاجب من يفترض أن يتفاعل على الفور معه، ومن دواخلهم يشعرون أن التعبير ما صحيح ويفترض نقول كله تمام والطيور تزقزق وننعم بالرفاهية ورغد العيش.. يا جماعة، على قول “هناء” اسمه تعبير!!
{ كلمة أغز
تلقت الزميلة “نادية عثمان” إشادة من الوزير “مصطفى عثمان إسماعيل” نهارية احتفال (المجهر) بعيدها، وأثنى على زاويتها الأسبوعية.. و”نادية” بالفعل قلم رشيق ومفردة متميزة.. وبختك يا “نادية” إشادة وزارية وقدام رئيس التحرير.