> مواصلة لما أشرنا له أمس بشأن تداعيات التصعيد الجاري لإثارة النزاع الحدودي بين السودان والشقيقة مصر على مثلث حلايب وأبورماد وشلاتين المتنازع عليه بينهما، وذلك بناء على ما جاء في الاتفاق المصري السعودي الذي حصلت الشقيقة السعودية بموجبه على اعتراف رسمي مصري بحقها السيادي في جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وهو اتفاق يشمل جزء منه مساحة بحرية محاذية للمثلث الحدودي المشار إليه فإن هناك من يرى إن هذا الاتفاق ربما قد يتيح سانحة وفرصة مناسبة ومهيأة لإقدام القيادة السعودية الحكيمة على القيام بمبادرة ودية وأخوية هادفة للوساطة الحميدة بين دولتي وادي نهر النيل في سبيل توفير المساعدة والمساندة اللازمة لدفعهما على إقرار تسوية موضوعية عادلة ومنصفة لكل منهما، على النحو الذي يكون من شأنه أن يفضي إلى حل قانوني يحظى بقبولهما، ويؤي إلى وضع حد نهائي لنزاعهما الحدودي الذي ظل يستعصي على المعالجة الناجعة لها منذ اندلاعها وإثارتها في في العام 1958 وحتى الوقت الحالي.
> وبالنظر إلى أن نزاع حلايب الحدودي المزمن والمحتدم والمحتقن قد ظل يخبو ويطفو مما جعل منه بمثابة معيار تقليدي يتم استخدامه لقياس درجة الحرارة في العلاقة بين الخرطوم والقاهرة ودولتي وادي نهر النيل التوأمتين اللتين ظلتا تتعاملان مع بعضهما باعتبار انهما حبايب أحباء وإخوة أشقاء بصفة دائمة لولا اصطدامهما بين كل حقبة وأخرى بالعقبة الصعبة المتجسدة في خلافاتهما الوعرة والمستمرة والمتواصلة على مثلث حلايب القابل للانفجار والاشتعال والاستخادم كذريعة يتم توظيفها واللجوء إليها كلما دعت الحاجة أحد الطرفين الشقيقين أو كلاهما لذلك، فضلاً عن أن النزاع الحدودي المزمن على هذا المثلث قد ظل أيضاً بمثابة ثغرة قابلة للاستفادة منها من جانب أية أطراف أجنبية عندما تكون معادية لطرفيه او أحدهما، وتسعى الى تأجيج صراعهما عليه، والمحافظة على نيرانه متقدة وتزويدها بالوقود اللاهب لها عبر صب الزيت عليها.
> بالنظر إلى ذلك بالإضافة إلى الحقيقة التاريخية الخالدة والناصعة المتمثلة في أن الخرطوم كانت هي العاصمة التي أثبتت نجاحها وفلاحها في القدرة على القيام بوساطة أخوية وودية حميمة وجدت التقدير المرتاح لها، والقبول المرحب بها، والموافقة الإيجابية عليها من جانب الإخوة الأشقاء في مصر والسعودية الى أن تحققت المعالجة الناجعة لخلافاتهما وصراعاتهما التي كانت ساحقة ونازعة ومهلكة ومدمرة للمصلحة العربية والإسلامية العليا، على النحو الذي جرى بينهما في ستينيات القرن الميلادي المنصرم، قبل أن يتم وضع حد لها وتجاوزها بناء على الوساطة الحكيمة للخرطوم لدى استضافتها عام 1967 لمؤتمر القمة العربية الشهيرة والمعروفة بقمة اللاءات الثلاث المؤكدة للصمود العربي في المواجهة مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي وعدوانها الامبريالي على الأمة في تلك المرحلة.. فربما تكون الظروف الضاغطة في هذه الفترة المفصلية والفاصلة، والتحديات البالغة الحدة والشديدة الوطأة التي نجمت ونتجت عنها، وبرزت شاخصة وصارخة وماثلة في الأوضاع المتدهورة والمذرية والمتردية الراهنة التي تعاني منها الأمة، دافعة للقيادة السعودية الملهمة للإقدام على مبادرة رشيدة وراشدة وهادفة للوساطة الحميدة المطلوبة والمرغوبة والمأمولة والمنشودة، والمحركة لكل من القيادتين الحكيمتين في السودان ومصر الشقيقة لإبداء التجاوب الفاعل والمتفاعل معها على نحو إيجابي يفضي ويؤدي الى الاستفادة منها، والبناء عليها لإقرار تسوية موضوعية عادلة ومعالجة قانونية ناجعة لنزاع حلايب الحدودي المزمن والمحتدم والمحتقن والذي ظل يستعصي عليهما، رغم إداراكهما لوجود ضرورة ملحة للتواصل إلى توافق واتفاق على هذا المثلث بما يجعل منها منطقة سيادة مشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين والتوأمين في دولتي وادي نهر النيل اللتين يجب وينبغي أن يظلا متلاحمتين ومتكاملتين ومنفتحتين على مسارهما التاريخي وأفقهما المستقبلي ومصيرهما الأزلي، الذي سيبقى ويظل قائماً ورابطاً لهما، ومؤثراً ومخيماً ومهيمناً ومسيطراً عليهما..
ونواصل غداً إن شاء الله