أمضيت نهار الثلاثاء 25 يناير 2014 في الحواشة حيث كنت (مقيل) مع سقاية القمح فوجدت فرصة طيبة للتأمل في تجربتي الخاصة مع زراعة القمح فهو المحصول الوحيد الذي شهدت لحظة ميلاده في الجزيرة فعندما دخل لأول مرة في ستينات القرن الماضي كنا صبيانا شاركنا في زراعته وفي حصاده اليدوي وفي (دقه بالحمير) وكنا لا نأكله في الجزيرة إنما نزرعه كمحصول نقدي ثم تابعنا تطور زراعته الى أن أصبحت كلها آلية ولكن للأسف دون زيادة تذكر في الإنتاج بل كان هناك تناقص لأنه حدث تكلس تقني في بنية الحواشة في الجزيرة فالنصف قرن من الزمان الترعة نفس الترعة وابوعشرين نفس ابوعشرين وابو ستة هو ابو ستة والتسريب وهذه من سرابة هو نفس التسريب وكل عام بل كل يوم يزداد الفاقد من الماء.
نظرت في ذلك اليوم الى النمرة (وهي وحدة إنتاج مساحتها 90 فدانا) وكانت الى قانون 2005 بالضرورة تزرع محصولا واحدا فوجدت أن المزروع قحما فيها 30 فدانا فقط وبقية النمرة كسبرة وكبكي نعم لم يزرع كل المزارعين القمح رغم أنه كل زراعته آلية ورغم أن التمويل كله كان من البنك وبضمان الإدارة وليس بضمان الحواشة كما أشيع. لم يزرع المزارعون القمح لأنه بعد أن تخصم التكلفة العالية لن يبقى لهم شيء يذكر كما أنهم خافوا من التقاوي المضروبة مع عدم وجود الضمانات حتى ولو كانت الإنتاجية عالية فليس هناك من يحميهم من تدني الأسعار فإذن تواجه زراعة القمح في الجزيرة مشكلتين الأولى ارتفاع تكلفة الإنتاج وتدني الأسعار ساعة الحصاد ولكن في نفس الوقت تخسر البلاد المليارات كل عام لاستيراد القمح. أها دي يحلوها كيف؟
وأنا أتصفح الصحف في نفس مساء الثلاثاء وجدت خبرا في الصفحة الأولى من صحيفة اليوم التالي المحترمة يقول وصلت ميناء بورتسودان امس الاثنين الباخرة (البحري اراسكو) وهي تنقل 77 الف طن من القمح الاسترالي وتعد هذه الباخرة هي الأكبر من نوعها التي تصل ميناء بورتسودان على الإطلاق. وقال مدير الشركة صاحبة الشحنة إن هناك استقرارا في سلعة القمح وذلك بفضل الجهود المقدرة من وزارة المالية والبنك المركزي ووزارة الصناعة وإدارة الأمن الاقتصادي (مبروك ) مبروك دي من عندنا وليست من عند صاحب التصريح.
إذن ياجماعة الخير العلاقة واضحة بين المساحة الخالية من القمح 66 % من النمرة وكبر حجم الباخرة ذات ال77 طنا من القمح المستورد فلو كانت كل المساحة التي يمكن أن تزرع قحما في الجزيرة مزروعة فسوف تصل الى 500 ألف فدان مع تعلية الرصيرص؛ هذا إذا كانت مدخلات الإنتاج مدعومة من الدولة او حتى بالسعر العالمي وإذا كانت هناك تقنية ري متطورة والأهم لو كانت جهود المؤسسات المشار اليها أعلاه وزارة المالية والبنك المركزي ووزارة الصناعة وإدارة الأمن الاقتصادي المقدرة تذهب للإنتاج المحلي وليس للاستيراد ويكفي أن نشير هنا الى أن دولار القمح مدعوم لدرجة وصوله الى جنيهين ونصف فقط فلو ذهب هذا الدعم الى دولار مدخلات الإنتاج ودعم المنتج لما رست الباخرة العملاقة اراسكو في ميناء بورتسودان وهي تحمل في جوفها 77 طن قمح.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]