من المؤكد أن عبد الواحد محمد نور الآن وفي هذه اللحظات التاريخية الفارقة يجري عملية إعادة حسابات لا جدوى منها، القوات المسلحة تسليحاً جيداً وكان يرابط بها في سفوح وقمم وجنبات جبل مرة، ويعتبرها مفتاح بوابة العاصمة السودانية الخرطوم ووسيلته المثلى للوصول إلى القصر الرئاسي هي الآن أصحبت جزء من التاريخ، ذلكم الحاكم الناجز الذي يقضي ويسطر حيثيات حكمه لتكون أحرفاً خالدة تقرأها الأجيال تلو الاجيال ويعتبر بها المعتبرون.
من الجائز القول إن بقية الحركات الدارفورية المسلحة (حركتيّ مناوي وجبريل) تلقت ضربات وهزائم مفصلية موجعة في منعطفات تاريخية عديدة ولم تقم لها قائمة بعد ذلك. ومن الجائز القول أيضاً إن تلك الحركات كانت تدرك أنها مهزومة لا محالة حينما إنتهت مهنة الحرب لصالح الآخرين مقابل المال والسلاح والإيواء وأصبحت مطية للحركة الشعبية الجنوبية وبعض المجموعات الليبية المسلحة تشتريها وتستأجرها بأبخس الأثمان، ولأن الأمر بشأن عبد الواحد نور يختلف قليلاً، فهو اختلاف مقدار بالطبع وليس اختلاف نوع.
عبد الواحد استطاع في السنوات الخمس الأولى لتمرده أن يبني شبكة من الداعمين الدوليين له كانت في مقدمتهم (فرنسا ساركوزي وكوشنير)، اليمين الفرنسي المتحالف مباشرة مع الصهيونية وكانت محور مراهنة هذا الارتباط، أن هذا الشاب المتوثب حينها يمتلك (مزماراً سحرياً) يحكم به سيطرته على معسكرات النازحين!
عشرات أجهزة المخابرات الغربية والاقليمية ظلت على يقين بأن الرجل لديه قاعدة جماهيرية عريضة ولا يشق له غبار في معسكرات النازحين الضخمة التى كانت في وقت من الأوقات (مزاراً دولياً) لرؤية حجم مأساة الاقليم ولهذا كانت من المحتم أن يدور عقل عبد الواحد وأن تتضخم ذاته السياسية ويساوره اعتقاد -ثبت كذبه- انه منتصر لا محالة وأنه بالذات يتفوق على بقية الحركات المسلحة.
ليس ذلك فحسب بل ان عبد الواحد كان يرسخ هذا الوهم في أذهان من يلتقيهم من قادة أجهزة المخابرات الغربية بإدعاء ان بقية الحركات المسلحة (ذوي جذور إسلامية) وأنه هو الوحيد المنتمي سياسياً إلى اليسار! ربما كانت هذه الوقائع المثيرة للشفقة والرثاء حقاً هي التى جعلت الرجل يأنف في قبول أي عرض للتفاوض.
كان عبد الواحد قد بلغ به الاعتداد بموقفه وقوته انه كان يصدر أحكاماً فورية بالإعدام ضد كل من يعرض عليه -من بين منسوبي الحركة- أي مسعى سلمي أو جلوس للتفاوض مع الحكومة، فهو (موعود) بسلطة كاملة وحكم لا ينازعه عليه أحد. هذه النظرة غير السياسية وغير الواقعية مضافاً إليها اعتقاده المضحك بأن سفوح جبل مرة كفيلة بتحقيق حصن حصين لقواته لأطول فترة ممكنة، كانت هي قاصمة ظهره التى أودت به في النهاية.
ولهذا فإن كانت هناك من عبرة بشأن عبد الواحد محمد نور، أحد اغرب حملة السلاح في النزاعات الداخلية في العالم بأسره، ان الرجل حمل السلاح من أجل الحرب والوصول بها الى القصر الرئاسي مسقطاً في ذلك كل حسابات الواقع ومعطياته، متجاوزاً كل الاعتبارات التاريخية والعظات والدروس التى خلفتها البشرية في صراعاتها ولم يعد عبد الواحد الآن بعد خسارته لمعاقله تماماً وخروجه من الميدان والحسرة تأكل قلبه المحترق وتشيعه اللعنات؛ لم يعد سوى ذلك الطالب (ناقص النضج) السياسي والفكري في أرجاء الجامعة بالعاصمة السودانية الخرطوم لا يسعفه لسانه للإفصاح المبين ولا يعاونه عقله للمنطق السليم!
سودان سفاري