وما أدراك ما “حلايب”

قبل يومين اتصل عليّ عن طريق الهاتف، أحد الزملاء الكرام، من إحدى الفضائيات المصرية، وتحدث إليّ عن التطورات السياسية الأخيرة، خاصة تلك التي أعقبت زيارة العاهل السعودي الكريم خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود” إلى الشقيقة مصر، ولقاءاته مع فخامة الرئيس “عبد الفتاح السيسي” والاتفاق حول ترسيم الحدود وتبعية جزيرتي “صنافير” و”تيران” للمملكة العربية السعودية.
الزميل المصري المحترم تصرّف كما توقعت، وقاد الحديث إلى “حلايب” و”شلاتين”، وقال لي إنه يود إجراء مقابلة حول هذا الموضوع. رحبت بالفكرة، وقلت له إن هذا الأمر مطلوب حتى لا يسرح بعض المتفلتين في عدد من الوسائط الإعلامية المصرية الخاصة، ويندفعون اندفاعة السيل من علٍ دون ضوابط أو كوابح للحديث حول هذا الموضوع ويسيئون للسودان قيادة وشعباً، مثلما حدث من قبل.
سألني الزميل المصري عن رأيي صراحة في هذه القضية، فقلت له إن مثلث “حلايب” سوداني بالرجوع إلى بداية الاحتكاكات في عهد حكم الرئيس “إبراهيم عبود”- رحمه الله– للسودان عام 1958م.. واسترسلت أذكر ما هو معلوم بالضرورة لكل السودانيين، مؤكداً على سودانية “حلايب” و”شلاتين”، مشيراً إلى تطورات هذه القضية حتى وصولها إلى منضدة القمة الثنائية المشتركة التي جمعت بين الرئيسين “عمر حسن أحمد البشير” و”عبد الفتاح السيسي” وقلت للزميل المصري المحترم إن كلاً من الرئيسين هو ابن المؤسسة العسكرية في بلده، وإن كل واحد منهما يحمل رتبة المشير، وهذا يعني أنهما لا يعرفان ميوعة المواقف التي يتخذها الساسة التقليديون في القضايا المرتبطة بالأمن القومي لكل بلد.. لذلك تم الاتفاق بينهما على ألا تنعكس هذه القضية سلباً على العلاقات بين البلدين الشقيقين.
جدد الزميل المصري المحترم سؤاله إن كنت أعتقد أن “حلايب” سودانية، فأكدت على إجابتي، ومضيت إلى أن السودان عند بداية الأزمة العام 1958م كان قد أودع لدى مجلس الأمن الدولي مذكرة تضمنت شكوى يتمسك من خلالها بحقه السيادي على منطقتي “حلايب”.. و”شلاتين” وأنه– أي السودان– ظل يجدد شكواه كل عام، وأنه ظل يدعو الأشقاء في مصر للتفاوض حول هذه القضية، ثم اللجوء إلى التحكيم الدولي حال عدم الاتفاق على حل لها.
استمرت المحادثة الهاتفية لأكثر من عشرين دقيقة وكنت أثق تماماً بأن الحوار الموعود لن يتم، إذ شعرت بأن كل النقاش الذي دار إنما هو لاستجلاء حقيقة رأيي في قضية “حلايب” و”شلاتين”، ومع ذلك قلت للزميل الكريم إنه لو حدث تواصل حقيقي بين القيادات تراعى فيه المصالح الوطنية والثنائية والإقليمية لأصبحت مصر امتداداً شمالياً طبيعياً للسودان ولأصبحت بلادنا امتداداً طبيعياً لها.. لكن هذا يتطلب صون الحقوق السيادية لكل بلد على حدة.
قال الزميل المحترم بعد أن قدم لي عبارات الشكر والتقدير، قال إنه سيتصل عليّ بعد خمس وأربعين دقيقة لأقدم إفادتي حول هذه القضية لمشاهدي الفضائية واسعة الانتشار التي يعمل لصالحها.. وكنت أعلم أن ذلك الاتصال لن يتم.
الآن مر يومان على تلك المحادثة، ويبدو أن الخمس وأربعين دقيقة تساوي أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة لدى الزميل المحترم.

Exit mobile version