٭ الدموع هي الحاجة الوحيدة «الفاضلة» لينا.. في هذه الدنيا.. بها نغسل العيون من الحسرات.. ومن رهق السنين.. وتعب الحكايات والذكريات وقد سمعت حديثاً غريباً يؤكد أن الدموع تقصر العمر.. ولو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت أعمارنا عبارة عن ديون معدومة في ميزانية الحزن اليوماتي.
والدموع السايلة مني
يا ما سالت وحرقتني
والظنون الحارقة قلبي
كم طوتني وارهقتني
وبسبب هذه الدموع ازدهرت صناعة المناديل في بلادي.. من حرير أبيض منقوش بقطيفة إلى مرحلة «مناديل التشوز» وإذا تابعنا سيرة الشعراء «البكايين» لوجدنا أنهم وثقوا لهذه الدموع بقواف متورمة الخدين وداسو على الإبر المسممة بالضياع .. فمسألة مطابقة الواقع مع الاحساس تصب في صالح «الشجن الأليم»
وراء البسمات كتمت دموع
بكيت من غير تحس بيا
هي دموع محبوسة لا ترى بالعين المجردة ولكنها موجودة بالداخل.. وهذا الوجع هو أقسى أنواع الألم لأن ما يصاحبه من تمثيل يجعل الاحساس به مضاعفاً.. مرة يكون الجرح مادياً.. وأخرى يكون معنوياً.
ولست أدري لماذا نحن السودانيين نحتفي بحراحاتنا وآلامنا للتأكيد أن درجة الاحساس عندنا عالية الذبذبات.. وأن «الشجن الملتهب».
بس دموعك لما فاضت
ضيعت صبري الشوية
إنها معادلة للشاعر سيف الدين الدسوقي تجسد أن هنالك علاقة بيلويجية بين الدموع والصبر.. مع ملاحظة أن السودانيين يملكون ذخيرة وافرة من هاتين الصفتين .. ويبدو أن ذلك هو سبب الصمود .. رغم التجاسر وانهيار المعاني على سقف الظروف.. وأحياناً كمية الحزن تجبرنا على احصاء حبات الدمع لتبيان حجم الفجيعة.. ولكن لا يفترض أن تكون معياراً لأن : حبه دمعة واحدة تكفي..
غدار دموعك ما بتفيد
لزول حواسو اتحجرت
جرب معاك كل السبل
ايدينو ليك ما قصرت
حطمت في قلبو الأمل
وكل الأماني الخضرت
كلماتو ليك ضاعت عبث
لا قدمت لا أخرت..
وهنالك دموع لا تبين العمق والدواخل وإنما تكون في شكل مظهري فقط وعادة ما نسميها دموع التماسيح .. ولكن اخطرها على الاطلاق دموع في عيون وقحة..
وكم دمعة سالت فوق خدود الشمعة
هي بمثابة احصائية مدهشة لحبات الوجع في شكل اطاري ابدع فيها كابلي
٭ اعذريني الدمعة ديا
تبقى آخر دمعة ليا
وهي توصيف دقيق غير مضمون لاحساس يكاد ينزف.. والدموع لن تتوقف طالما الحزن يغطي كل تفاصيل الحياة.