الابتذال السياسي

لو قُيِّض لي بياض لأكتب تقريرًا بعيدًا عن الأحداث اليومية المباشرة، وقريبًا منها في نفس الوقت، لما توانيت في تسخيره وبذله من هامشه الأيمن إلى مُقابِلهِ الأيسر للابتذال والبذاءة اللتان تدمغان الخطاب السياسي عامة، والسوداني منه خاصة.
ووجهة نظري التي ما خارت عزيمتي ولا (فترت) همتي من ترديدها، تتلخص في أن الفضاء السياسي أكثر (هبوطًا) – كما اصطُلح أخيرًا لتوصيف الغث من الأشياء – أكثر هبوطًا من (بعض الغناء وبعض الرياضة)، وكل الشارع العام، إلا أن لا أحد يريد أن يرى ذلك، لجهة أن للسياسة (بمعنى ناشطيها) سياج بـ (سلك شائك)، تتحصن به وتتخذه واقياً لها من (كشفِ الحال)، وإن كان حالها كذلك، فيما لا تتوفر المجالات الأخرى المشار إليها نماذج منها آنفًا على تلك الحماية والحصانة، وبالتالي تظل الأكثر عرضة للنقد، رغم أنها الأكثر رقيّاً والأقل إنتاجًا للبذاءة والابتذال.
والحال، إن راصد الخطاب المنتج في ذلك الفضاء (السياسي)، مذ قبل الاستقلال وحين تشكل الأحزاب الوطنية يعجب لاحتشاده بالابتذال والبذاءة حد الفيض، ولولا أن نوع الكتابة المتاحة هنا (في هذه المساحة) غير مُرخص لها بإيراد نماذج تعضد ما ذهبت إليه، لكنت دفعت بما تشيب له الولدان من بذاءات أُنتجت في هيئات تنفيذية رفيعة وبرلمانات ومجالس وزراء، ثم تقلفها الشارع وسارت بها ركبانه فاتسع تداولها حتى بدا وكأنه منتجها الأصل.
بطبيعة الحال، ليس الابتذال في هذا الصدد رهينًا بالناشطين المحليين، فها هي (أميركا)، تقدم نموذجًا مثاليًا للمبتذل السياسي، فرجل مثل دونالد ترامب لا يزال يدمغ الحياة السياسية في الولايات المتحدة، بمقادير من البذاءة والابتذال لم تشهدها (طول عمرها المديد) وتجربتها الزاخرة.
ترامب، لا توانى في الإغداق بالشتائم على كل من يعترض طريقة، ويناوئه، حتى أنه استهزأ من صحفي يعاني إعاقة بعد أن انتقده الأخير، كما لم يتكتف بالسخرية من منافسه في نيل الترشيح الحزبي متحدثًا عن قبحه (شناتها)، وانحدر معها إلى أمور أخرى كالحيض وما لايمكن ذكره هنا.
الشاهد، أن ترامب وإن كانت حظوظه في الفوز أقل من منافسته من الحزب الآخر (هيلاري كلينتون)، لكنه ربما يفوز ويصبح رئيسًا، وحتى إلّمْ، فإنه الآن وسيظل لوقت طويل – رغم بذاءته وابتذاله – رقمًا مؤثرًا في السياسية الأميركية وبالتالي الكونية.
والسؤال: كم ترامب وأدنى منه ينشطون في الفضاء السياسي المحلي، وكم منهم يتولون مناصب رفيعة وحساسة؟ والإجابة: كثيرون لا شك.

Exit mobile version