> نهاية الأسبوع الماضي، كنا مع والي الخرطوم وعدد من وزرائه في اجتماع يتعلق بقضايا الصحافيين، ولفت نظرنا في النقاش وحديث الوالي الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين وبعض وزراء حكومته، أن هموم الولاية وأولوياتها أكبر من أن تترك فقط للمسؤولين لمعالجتها. فالحكومات مهما كانت كفاءاتها ونجاعة سياساتها وبرامجها، لن تستطيع وضع الحلول الممكنة للبيئات الحضرية المعقدة، فمشكلات المدن في كل العالم، باتت تؤرق الحكومات التي تعتمد فقط على قدراتها الذاتية ومبادراتها. فالمجتمع هو الشريك الأول في كل عمليات الإصلاح والبناء وتهيئة المناخ المدني للتقدم خطوات كبيرة للأمام.
> مشكلة ولاية الخرطوم، أنها العاصمة الاتحادية ومركز كل الخدمات في مختلف المجالات وبؤرة النشاط السياسي والاقتصادي، وموطن القرار ومهوى الأفئدة للهجرة من الأطراف، وتضم ما يزيد عن الثمانية ملايين نسمة، وقد أجمل الوالي عبدالرحيم الصعوبات والتحديات والأولويات التي تواجهه في أربع قضايا رئيسة هي: (الماء، النظافة، المواصلات، تحسين البيئة الحضرية). وهذه التحديات بالرغم من الجهود الجبارة المبذولة لحلها، لن تنتهي أو تختفي بسهولة وفي وقت وجيز، لأنها تتداخل مع قضايا أخرى أكثر تعقيداً، أي أن الولاية في حاجة لحلول مركبة لأزمة مركبة، فمن الصعوبة تصور حلول منفصلة. فالمواصلات لا يمكن أن تحل قضيتها إن لم تتحسن الطرق وتفتح المسارات وتتعدد وسائل النقل بإدخال وسائل أخرى في الخدمة مثل القطارات في مسارات مختلفة وجديدة تغطي كل العاصمة، وليس فقط المسارين التقليديين من شمال الخرطوم بحري الى وسط الخرطوم ومن هذاالوسط الى جنوب الخرطوم مع إمتدادات خطوط السكك الحديدية القديمة، بجانب تغيير المركبات العامة إلى حافلات ذات سعة أكبر، ويمنع أو يضبط الانفجار الهائل في استيراد العربات الخاصة وترخيصها، وتوجد خطط تفصيلية في هذا الجانب لدى حكومة الولاية أعدت منذ عهد الحكومة السابقة وقبلها، لكن تنفيذ هذه الخطط بطيء ولا تكاد تحس له ركزاً.
> أما قضية المياه وشبكتها وإنتاجها ومحطاتها، فهي قضية مقلقة وليست سهلة وتحتاج إلى أموال ضخمة، لكلفتها العالية والإتساع الأفقي لمدن الولاية وأحيائها، إضافة لظلالها السياسية في حال الإخفاق عن توفير هذه الخدمة المرتبطة بالحياة. فموقف الولاية في هذا الجانب موقف دقيق وصعب، فالنقص كبير جداً في الإنتاج والشبكات لا تغطي كل العاصمة، ولا تستطيع حكومة الولاية العمل في وقت واحد وتوفير كل ما يلزم من أموال، فضلاً عن أن النجاح وإنجاز هذا العمل الضخم يحتاج إلى وقت، وعادة لا يصبر المواطن كثيراً في مسألة حيوية لا غنى عنها ولا بديل.
> أما قضية النظافة، فقد تابعنا كيف أن موضوع النفايات كاد أن يسقط الحكومة اللبنانية عندما تكدست أرتالاً من أكياس النفايات في بيروت، وعانت العاصمة المصرية خلال العامين 2013 و2014 معاناة لا تطاق في مجال النظافة وإزالة النفايات ونقلها، وتعاني عواصم ومدن عديدة في العالم بمستويات مختلفة من معضلات عميقة في مجال النظافة وتأثيراتها على البيئة وعلى صحة الإنسان والحيوان والهواء النقي والوجه الحضاري.
> ولأن هذا الموضوع يمكن السيطرة عليه بالتدبير الجيد و الإدارة الفاعلة وتنسيق وحُسن توظيف الإمكانيات المتاحة، فالواجب العمل فيه مباشرة مع المواطنين لتغيير ثقافتهم وسلوكهم في تقليل المخاطر ودرء تأثيرات مشكلة النظافة والتقليل من مخاطرها، فالمواطن شريك حقيقي في حل هذه المعضلة وتجاوزها، وعلى حكومة الولاية البحث عن وسائل متنوعة وفاعلة في تطوير وتأهيل شراكة المواطن ووعيه للمحافظة على إحياء العاصمة ومساكن المواطنين والشوارع والطرقات نظيفة لتكون عنواناً لعاصمة جميلة، والعمل من أجل عاصمة جميلة، هو شعار لمشروع وحملة اقترحها الاتحاد العام للصحافيين السودانيين على الوالي وحكومته لتغيير الثقافة العامة ولتكاتف أيادي الجميع حكومةً ومواطنين بكل شرائحهم وقطاعاتهم ومنظمات المجتمع المدني، لتحقيق شعار «الخرطوم عاصمة جميلة»..
> وتحتل قضية التنمية العمرانية وتخطيط المدن أولوية قصوى في سلم اهتمامات الولاية، لارتباطها بتوزيع الخدمات التعليمية والصحية والمياه والكهرباء وتوفير الأمن والسلام الاجتماعي وترقية حياة السكان والارتقاء المتصاعد بها إلى الأفضل. فقضية بهذه الأهمية تتطلب أفكاراً متجددة وقرارات حازمة وتفاعل حقيقي من أجل المصلحة العامة.. وهذا يمكن العمل من أجله في برامج ذات اتجاهات متنوعة تفترعها حكومة الولاية بمعاونة المجتمع.
> لقد أهمنا في اللقاء مع الوالي وحديثه الشامل عن قضاياه وأسبقيات حكومته، أن التحدي صعب للغاية والمسؤولية جسيمة، لو تركت حكومة الولاية وحدها لتتصدى للحلول، ففلاحها سيكون قليلاً وغير منظور..!