“مدثر” و”رحاب”.. دعوة للتبصر

أُزجي التهانئ لكل الطلاب المتفوقين في امتحانات مرحلة الأساس في كل ولايات السودان، وأهنئ بشكل خاص الطالبة رحاب أحمد عبدالله الأولى على مستوى مدارس ولاية كسلا، والطالب مدثر عبد الحكم على الطاهر الأول على مستوى مدارس ولاية شمال دارفور. تخصيص التهنئة لرحاب ومدثر، يعود إلى أن الاثنين قدما مثالا نموذجيا على الاجتهاد والمثابرة والقدرة على هزيمة كافة الظروف المحيطة والمعيقة للإنسان، وظروف التلميذين الصغيرين متشابهة إلى حد كبير من حيث المحيط الأسري الفقير والتعليم المدرسي الحكومي المعروف بأوضاعه المتردية مقارنة بالتعليم الخاص المنتشر والذي أصبح مقصد الجميع لضمان تعليم جيد لأبنائهم.

رحاب أحمد عبدالله، التي تم تكريمها وتكريم أسرتها من قبل والي ولاية كسلا، تحمل تفاصيل قصة نجاحها عبرا ومعاني كبيرة لو أن الناس توقفت عندها ووسعت من تأثيراتها لتشمل حالات أخرى كثيرة مشابهة، قد لا يكون أبطالها في نفس قوة وشكيمة هذه البنت البطلة. رحاب ابنة لأسرة فقيرة تسكن في (عشة)، لا يملكون من متاع الدنيا الزائل شيئا؛ حتى الكهرباء – الحق العام، لا يملكونها؛ مما كان يدفعها للمذاكرة تحت (لمبة) عمود الشارع.. هذه الظروف المعيقة والمحبطة لم توقف رحاب بل دفعتها للاجتهاد أكثر حتى تحقق هذا النجاح الباهر وتلفت الآخرين لها ولأسرتها المناضلة؛ وهذا الالتفات برأيي يستوجب وقفة من الجميع حتى يشمل شرائح اجتماعية تحيا ذات هذه الظروف دون أن ينتبه إليها أحد أو يفكر في ابتكار وسائل تساعد في حل بعض إشكالاتها الأسرية المعمقة.. في رأيي أن نجاح رحاب هذا في وجه من وجوهه ما هو إلا دعوة لمحاربة الفقر ورفع نسبة اهتمام الدولة بمواطنها وخدماته بشكل جماعي وليس فرديا في حالات النجاح والزخم الإعلامي.

الطالب مدثر عبد الحكم علي الطاهر، الأول على ولاية شمال دارفور، يقدم درسا آخر في المثابرة والنجاح واختيار درب الاستنارة في مقابل حالة الحرب والتشريد التي تواجه ولايات دارفور منذ سنوات، فهذا الطالب (العبقري)، حقق هذا النجاح من داخل أحد معسكرات النازحين في الفاشر (أبو شوك)، ليهزم بذلك ظروف الحرب، والنزوح، والتشريد، والفقر، و”يتش عين الضلام بالضو”.. وفي رأيي أن مدثر أكبر علامة يمكننا التوقف عندها في دعوتنا المستمرة لوقف هذه الحرب وهذا التخريب المدمر.

Exit mobile version