والمهدي (الصادق) حين يريد الإصلاح يحذر منسوبي المؤتمر الشعبي من السعي للالتحام مع بعضهم مجددًا، إذ حذرهم من إعادة توحيد الإسلاميين مجددًا – بحسب الصيحة – وبالتالي فإنه لا يريد أن يرى أشلاءهم تلتئم مرة أخرى، فيندغم الوطني والشعبي والإصلاح، ومنبر السلام…. وحتى العدل والمساواة وإلى آخر القائمة، في كيان واحد!
هكذا يرى المهدي الإصلاح، في البعثرة والتشتت والتشظي، لا في الوحدة بين فُتات وشتات الكيانات ذات الصبغة الآيدولوجية الواحدة والتوجه السياسي المتشابه، كما العادة والمنطق.
الغريب في الأمر، ليس أن يدعو المهدي من أسماهم بخلفاء الترابي إلى السير على خطى زعيمهم الراحل في الإصلاح، بل في أن يرى أن توحد الإسلاميين منافٍ للإصلاح، وأن يحثهم بناءً على ذلك بأن يعضوا بالنواجذ على كيانهم (الصغير)، وأن لا يعودوا إلى الماعون الأكبر، وكأني به يحتفي أيضًا بتمزق حزبه شذرا مذرا وتفرقه أيدي سبأ، ثم يسمي كل ذلك إصلاحًا.
والحال، أن لا الترابي ولا المهدي ورغم الفرص الكبيرة التي توفرت وسنحت لهما، استطاعا أن يقدما للعمل السياسي السوداني ما يمكن أن نطلق عليه (الإصلاح)، فقد ظلا متشبسيْن بالقيادة السياسية والروحية والفكرية من (زعامة وإمامة وشياخة وأستاذية)، بلغت في أحايين كثيرة حد القداسة لذاتيهما الفانيتين، فيما ظل الهم الوطني مُندرجًا تاليًا لطموحاتهما الشخصية الجارفة والتي أوقفت وأعاقت آليات التطوير والتحديث في بُنى وهياكل حزبيهما (الأمة والجبهة الإسلامية)، فكانت النتيجة ما نراه الآن.
أكثر من ذلك، فإن للرجلين (المهدي والترابي)، قدحًا معلى في ما حدث لجنوب السودان، وما يحدث في دارفور، ففي الحالة الأولى التي أفضت إلى ذهاب الجنوب، لم يحتملا (أيام الديمقراطية الثالثة)، أن يأخذ مناوئهما محمد عثمان الميرغني بزمام المُبادرة في ما سُمّى باتفاقية الميرغني – قرنق (نوفمبر – 1988م)، التي فحواها، تجميد بعض مواد قوانين سبمتمبر 1983م إلى حين انعقاد المؤتمر القومي الدستوري للفصل في مسألة القوانين، وإلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى التي تؤثر على السيادة الوطنية، ورفع حالة الطوارئ.
ووقف إطلاق النار، ثم تشكيل لجنة تحضيرية قومية للتمهيد والإعداد للمؤتمر القومي الدستوري بتاريخ 31/12/1988م.
من وجهة نظر كثيرين، أن الصادق المهدي بالتواطؤ مع حسن الترابي، أعاقا ما كان سيُعدُّ لو انعقد (حينها) حلاً جذريًا ليس لمشكلة جنوب السودان فحسب، بل لكل مشاكل البلاد، لكنهما ومن أجل تحقيق انتصارات ذاتية ضيقة تصديا وجابها بقوة تلك الاتفاقية، حتى وصل الأمر بالأخير (الترابي) إلى الترتيب لانقلاب الإنقاذ (يونيو 1988م) قاطعًا الطريق أمام المؤتمر الدستوري قبل ستة أشهر من انعقاده المزمع، فيما لاذ الصادق بالصمت حين حذره وأخبره مقربون أمنيون منه، من أن ثمة محاولة انقلابية تُحاك ضد حكومته.
وعليه، فإن أي حديث يصدر عن الصادق المهدي في خصوص الإصلاح، خاصة في ما يتعلق بحليفة الخفيّ وصهره الراحل حسن الترابي، ينبغي التعامل معه، والنظر إليه بحذر شديد، كونه في الغالب ينطوي على زيف كبير.