سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بإبداء قلقها حيال إجراء استفتاء دارفور الذي جرى في أيام 11و12و13 من أبريل الحالي. وسبب اعتراض أو قلق واشنطن أن الاقتراع لا يضمن التعبير عن إرادة الدارفوريين بمصداقية. وتنص اتفاقية الدوحة لسلام دارفور الموقعة في يوليو 2011 بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، على أن الاستفتاء سيقرر الوضع الإداري لدارفور، وستُضّمن نتيجته في الدستور، ويشمل خياري الإبقاء على الوضع الراهن لنظام الولايات أو توحيد دارفور في إقليم واحد. ويتطابق رأي واشنطن مع حركات دارفورية لا تزال تحمل السلاح وترفض اتفاق الدوحة.
والولايات المتحدة التي أيدت بشدة من قبل استفتاء جنوب السودان الذي أفضى للانفصال، لم تتحدث حينها عن إن انعدام الأمن في الجنوب والتسجيل غير الكافي لسكانه لأنها كانت في عجلة من أمرها ليتم الانفصال بأسرع فرصة؛ لكنها اليوم تعترض لأسباب لا تبدو كافية أو مقنعة. لكن المعروف أن الولايات المتحدة كانت قد أبدت تأييدا (ماكرًا) لاتفاقية الدوحة بل إن الاتفاقية لم تعجبها بيد أن القبول الدولي والإقليمي أخجل الإدارة الأمريكية فلم تستطع إبداء أي معارضة صريحة.
فالأجندة الأمريكية في دارفور ليس الإنفصال وإنما بقاء حالة عدم الاستقرار التي تمرر من خلالها واشنطن إستراتيجياتها في كامل المنطقة وليس السودان وحده.. وإن قلنا إن الحركات المسلحة معنية أو مهتمة بوضعية الإقليم الإدارية؛ فإن واشنطن لا يعنيها ذلك بل ما يعنيها الاستثمار في استمرار حالة اللا استقرار.
ويثور الجدل حول الاستفتاء بسبب رغبة الحكومة في أن يفضي الاستفتاء إلى الإبقاء على نظام الولايات الحالي بخمس ولايات في إقليم دارفور، في مقابل رغبة الحركات المسلحة وحتى حركة التحرير والعدالة الشريك الرئيس في اتفاقية الدوحة في أن تدار دارفور باعتبارها إقليما واحدا. ويقول نائب الرئيس السوداني: “إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بدلا عن الولايات مستحيلة”، معتبرا أن ذلك قد يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي، الذي يقود إلى الانفصال. وأضاف: “علينا الاستفادة من تجربة الجنوب وعلينا ألا نعيد الانكفاءة.. إن فعلنا ذلك سنضعف الوحدة الوطنية وقد تتحول العودة للأقاليم إلى مناداة أو مطالبة بالحكم الذاتي”. وكـأنما يشير الرجل إلى أن جنوب السودان تمتع، بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في 2005، بحكم ذاتي، أعقبه استفتاء قاد لانفصاله عن السودان في يوليو 2011. لكن حزب التحرير والعدالة أحد حلفاء الحكومة والموقع على اتفاقية الدوحة قال إن حزبه ظل متمسكا بخيار الإقليم الواحد، وظل يدافع عنه من خلال التفاوض على أن يشمل كل السودان. وأكد أنه بعد إصرار الحكومة على خيار الولايات “توافقت الأطراف على إنشاء السلطة الإقليمية لدارفور خلال فترة انتقالية ليتم تحديد الوضع الإداري النهائي عبر هذا الاستفتاء”.
أما الحركات المسلحة تخشى أن يكرس الاستفتاء الرغبة الحكومية وترى أن إقليم دارفور ظل وحدة إدارية واحدة منذ إعلان استقلال السودان في عام 1956 وحتى 1994 حيث قامت حكومة الرئيس البشير منفردة بتقسيم إقليم دارفور إلى ثلاثة ولايات مُلغيةً بذلك الإقليم كمستوى من مستويات السلطة،وترى أن ذلك تم دون إجراء مشورة شعبية أو استفتاء إداري.. لكن الخرطوم تقول إن التقسيم لم يقتصر على إقليم دارفور بل طال أقاليم سودانية أخرى في الشمال والوسط والشرق.
ورغم القلق الذي يشعر به معارضو الاستفتاء لأنه بالضرورة سيأتي في صالح الرأي الحكومي ويكرس القبضة المركزية، إلا إنه من ناحية أخرى فإن القلق من أن تؤدي فكرة الإقليم الواحد إلى خطوة نحو الانفصال قلق أيضا في محله.. فبغض النظر عن موقفي الحكومة والحركات المعارضة المسلحة، فإن مصير إقليم دارفور الإداري له علاقة بمستقبل البلاد على المدى البعيد ولا يقف عند فترة زمنية محددة يحكم فيها هذا الطرف أو ذاك.
لعل المخرج من عنق الزجاجة يكمن في تواصل الجهد القطري فلأول مرة يجتمع الوسيط القطري أحمد بن عبد الله آل محمود نائب رئيس مجلس الوزراء برئيسي أكبر الحركات المسلحة في باريس يناير الماضي. ولطالما رفضت هاتان الحركتان التوقيع على وثيقة الدوحة لكن الحركتين استعصمتا بالعمل المسلح، رغم أن وثيقة الدوحة نظمت اقتسام السلطة والثروة وحقوق الإنسان واللجوء والنزوح والتعويضات ووضع الإقليم الإداري والعدالة والمصالحات. التطور المهم أشار إليه بيان مشترك عقب ذلك الاجتماع اتفاق الأطراف الثلاثة بأن تقدم الحركتان ورقة تفصيلية للوساطة القطرية تتضمن رؤيتهما حول “إمكانية إيجاد قواسم مشتركة لعملية السلام في دارفور في أقرب وقت ممكن”.