لا أحد يملك اﻵن حق إيقاف حلقات “الترابي” مع قناة الجزيرة غير الأسرة
ما ترينه في ساحة حزبنا الآن هو سيناريو معد قبل وبعد وفاة “الترابي”
نعم خرجنا من الحكومة بالباب لكننا نتعامل مع (الوطني) بحكم أنه حزب حاكم لا انفكاك عنه!
على الحكومة ألا تقزّم الأحزاب وتبتلعها وتعلن نهايات الحوار.. وهذا ما قلته للرئيس..!!
حاورته بود مدني – زهر حسين
رحيل الزعيم السياسي والمفكر الإسلامي د. “حسن عبد الله الترابي” شكل حدثاً توقفت عنده المحطات، وكان لولاية الجزيرة حظ من ذلك التوقف.. (المجهر) جلست إلى أحد القيادات البارزة المعروفة بحزب المؤتمر الشعبي ،رئيس الحزب بولاية الجزيرة الأستاذ “عبد الرحمن عامر”، وأحد المقربين للشيخ “الترابي” . فحدثنا عن ما يدور في كواليس الساحة السياسية والفراغ الكبير الذي خلفه الرحيل المر لزعيم الإسلاميين ،دكتور “الترابي”، وعن فرص وإمكانية وحدة الإسلاميين ورجوع المؤتمرين، للمصالحة بعد المفاصلة، وأثرنا معه قضايا الحوار الوطني باعتباره عضواً فاعلاً، وتحدث حول بث حلقات برنامج (شاهد على العصر) في قناة الجزيرة القطرية التي تم تسجيلها مع الشيخ “الترابي” وأذيع بأنه اشترط بثها بعد وفاته حسب اتفاق القناة مع الشيخ.. وبين هذا الجدل والمخاوف المثارة ، تحدث إلينا “عبد الرحمن عامر” في حوار رشيق حول بعض الموضوعات الأخرى.
{ بدءاً أستاذ “عبد الرحمن عامر” بوصفك أحد المقربين من الراحل “الترابي” ومن القيادات المعروفة.. حدثنا عن إحساس ما بعد الرحيل المر لعراب الإسلاميين وحزب المؤتمر الشعبي خاصة ما أذيع عن الحلقات التي تم تسجيلها في برنامج (شاهد على العصر) في قناة الجزيرة القطرية؟
_ فكرة الانتقال والموت كانت حاضرة في ذهن الشيخ “الترابي”- رحمة الله عليه- لذلك بعد الحلقات التي سجلت مع الصحفي الراحل “محمد حسنين هيكل” أكبر صحفي عربي في القرن الماضي في قناة الجزيرة القطرية، طلبت منه القناة تسجيل حلقات، فتداول الدكتور حول الفكرة وعرضها على الهواء الطلق مع بعض الذين يلتقونه في المركز والولايات ومضى في طريق تسجيل الحلقات بحضور، وتعهدتها القناة بالحفظ حتى وفاته.. لا أحد اﻵن يملك حق إيقافها أو التداول في هذا قطعاً غير الأسرة ، وفقاً للاتفاق المؤسس بين الدكتور والقناة، والشاهد في تقديري ومعرفتي اﻵن ، التي لا تتجاوز معرفه الآخرين أن الشيخ “الترابي” ما سكت عن رأي كان يود أن يقوله مهما كان وقع الخبر على سامعيه في أي مكان وزمان. إذن الواجب أن نقرأ ونستمع للرأي في هذه الحلقات التي مؤكد أنها مثلها ومثل فكرة فكر الشيخ وستترك أثراً أعظم مثل الزلزال الذي أحدثته وفاته، بمعنى أن نقرأه ليس خارج النص بل في أوقاته وزمنه، الذي تم تحريره فيه.. مياه كثيرة مرت تحت الجسر وقول على قول وتواترت القراءة المتكاملة للنصوص الواردة في الحوارات التي تحتاج للفعل الحصيف.. “الترابي” مات وترك وصيته منشوره للخاص والعلن.
{ فكره وحدة الإسلاميين شعور تملك الكثيرين بعد وفاة “الترابي”؟
_ د. “حسن عبد الله الترابي” مؤكد أنه أكبر من المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني وهمه، لذلك يتجاوز المؤتمرين، ولا يتفوق الشعبي على الوطني في هذا المجال إلا بفضل المؤازرة التي امتدت إلى العقدين الأخيرين من حياة الشيخ “الترابي” السياسية التي تؤكد إصلاح شأن الأمن والوطن كمكون أساسي، فيما آلت إليه البلاد بخيره وشره. في هذا المجال مثل المنظومة الخالفة في نسختها الأخيرة، “الترابي” لم يقف في أي ماعون سياسي أكبر من الحاجة إليه، وحينما قرر في المنظومة الخالفة تجاوز الأطر المحدودة، (شعبي – وطني) إلى رحاب أكبر للسودان الواحد الموحد. كان قد أعد العدة لذلك وبذل في التدابير ما هو مقدر. “الترابي” لا يحرّف المراحل ولا يجاوز الواقع، والإسلاميون متسعون إلى أكثر من فئتين، بل هم فوق البشر.. دعينا نقول يا أستاذة إنه إذا كانت وحدة الإسلاميين هي مخرج لوحدة الصف للأمة السودانية في مسارات معلومة فكرية وحزبية، فلتكن وحدة الإسلاميين ناتجاً طبيعياً، فهي أمر دين ودولة.
{ هل تؤكد بذلك دعمك لوحدة الإسلاميين بالرغم من المفاصلة التي استمرت لسنوات عديدة؟
_ مؤكد أدعم خيار وحدة الإسلاميين، لكنها ليست المخرج الأول. كما أن المفاصلة محطة مهمة بين المؤتمرين، لكنها أيضاً ليست نهاية التاريخ، لذلك ما ضاقت بلاد ولكن أخلاق الرجال تضيق، بمعنى (13) سنة، عقد ونصف العقد من الزمان، أبانت كثيراً جداً وبوضوح، وحرر الخلاف في أمر المفاصلة وإذا رأى الإسلاميون ذلك فهذا حقهم في أن يتصافوا سياسياً، وفي اعتقادي أنهم اجتماعياً كانوا متصافين.
{ يرى كثير من المراقبين أنه تم إخراجكم من الحكم بالباب والآن تدخلون بالشباك؟
_ نعم، خرجنا بالباب، لكن ننظر ونتعامل مع الحزب الحاكم بحكم أواصر كبيرة.. دا حزب حاكم لا انفكاك عنه ويطرح المشروع الإسلامي الذي يشكل لنا محط الرحى ودفعنا “نميري” لطرح هذا المشروع وقوانين الشريعة الإسلامية.. (ضاحكاً) ما بقول زي ما قال “الصادق المهدي” المثل الشين داك (مشطوها بي قملا)، لكن بقول ليك: (دي بضاعتنا ما بنقيف ضدها).
{ إذن كيف تنظر لحزب المؤتمر الشعبي اﻵن عطفاً على ما استجد من أحداث على الراهن السياسي؟
_ وفاة “الترابي” ستحدث زلزالاً كبيراً في الراهن السياسي، وسيظل هو المقال المكتوب والبرنامج الإذاعي والكتاب المنشور لسنوات عديدة، لكن البديل والمؤسسة وتجاوز القائد الملهم والمفكر الذي يستهدف المستقبل والأب الروحي للحزب أو التيار الإسلامي السياسي عموماً إلى مؤسسية نجحت بشارتها باختيار الأمين العام الشيخ “إبراهيم السنوسي” ولن تقف العجلة عن الدوران.
{ بماذا تفسر عودة الدكتور “علي الحاج” من منفاه الاختياري بعد رحله استمرت طويلاً وتزامنت مع وفاة “الترابي”؟
_ ما ترينه في ساحة المؤتمر الشعبي هو سيناريو معد له قبل وبعد وفاة “الترابي”…
{ (مقاطعة).. سيناريو كيف؟
_ علم السياسة ليس كعلم الاقتصاد، بل هو علم الخيارات المفتوحة، بمعنى أن ترتيبات لاحت ظواهرها بخلافة “السنوسي” الواضحة في النظام الأساسي وترتيبات داخل الحزب معدة عواقبها لا يتصرف فيها إلا حوادث الدهر.
{ هل معنى ذلك أنك تنفي ما قيل عن عودة “علي الحاج”؟
_ نعم.. والمكون الخارجي في الواقع السوداني كبير، والمكان ليس له تأثير كبير بالوسائط الإعلامية ومافي زول اسمو خارج أو داخل السودان، بمعنى أن “علي الحاج” كان موجوداً بيننا أصلاً.
{ ما هو موقف الحزب في ولاية الجزيرة؟
_ نحن في الجزيرة، سُرّة السودان، ونحن حزب معافى من العقد السياسية منفتح على الجميع لا يرى في الراحل “الترابي” زعيماً حصرياً للمؤتمر الشعبي ولا يرى في مشاكل السودان أنها بالغة الدقة وتستعصي على الحلول، ونحن ظللنا، وسنظل، منذ إنشاء مدرسة “حنتوب الثانوية” إلى أن أصبح الفكر الإسلامي السياسي واضحاً وضوح الشمس لا يمكن تجاوزه أو إغفال دوره، والشعبي كل يوم تتفتح أمامه الفرص للاستقطاب والندوات مع الآخرين.. إن رحيل الدكتور “الترابي” يشكل تخلقاً جديداً لهذا الفكر ولهذا النهج، فالمعاصرة حجاب، وفي الجزيرة رجال ونساء يدرسون الدور الذي يتنزل على هذه المرحلة.
{ ألا تمثل موافقة المؤتمر الشعبي ودخوله كعضو فاعل في الحوار الوطني بالرغم من اختلافه مع الوطني نقطة فارقة.. وماذا بعد رحيل عراب الحوار؟
_ نحن مع الحوار وهو ليس “فزاعة”، بل عمل أصيل.. مارسنا كل أنواع النضال السياسي وخلصت تجاربنا إلى هذا الأمر، وهو ليس قارب نجاة لأحد ولا حزب ولا طائفة وإنما قارب نجاة للوطن بأرضه ووطنه وخبراته. الحكومة يجب ألا تقزّم الأحزاب وتبتلعها بما في ذلك حزبها الحاكم وتعلن الحوار لنهاياته، والرئيس قال إنه مسؤول عن مخرجات الحوار، وأنا شخصياً في لقائي به أتيحت لي الفرصة أن أخاطبه وجها لوجه كراعٍ ومبتدر للحوار، وأكد كما يؤكد دائماً أنه مسؤول من الحوار.. و”الترابي” كركن أساسي في الحوار والرئيس كمبتدر ومؤسس للحوار، الآن الدائرة اتسعت لتشمل كل الأنداد لكي يخرج بحلول مؤسسة ومرضية تستهدف حماية الوطن ومرتكزاته الفكرية والاجتماعية وغيرها. الحوار وحده مكون كبير وليس وحيداً، فعلينا أن نذهب لتسويات سياسية تكمل الحوار ولا مانع لدينا من صفقات سياسية وأخلاقية لكي تكتمل اللوحة ونطلع من الدوامة، لا التلفيق ولا الترقيع ولا الحيل السياسية يمكن أن تحل مشاكل البلاد، اﻵن البلاد تتنفس حواراً وحزمة من الحريات، والمؤتمر الشعبي في تقديري كمكون رئيس في الحوار تحول من حزب معارض إلى حزب محاور ملتزم بأدبيات الحوار وأهدافه ومخرجاته.
المجهر