عندما تريد ان ترد احد عن فعل شيء له عواقب وخيمة، تنزره بـ (لو فعلت كذا وكذا .. ما تلوم إلا نفسك) .. وتصلح ايضا للتهديد والوعيد بالثبور وعظائم الأمور، كما يحدث عندما تنهي الام احد الصغار عن فعل شييء فيه ازعاج .. تشير إليه باصبعها وفي عينيها نظرة وعيد (ان سويت تاني كده ما تلوم إلا نفسك)، وتلك اشارة في
قاموس الامهات الغاضبات، تعني انك على بعد خطوة واحدة من علقة حبيبة الصباح ..
ولكن للعبارة معنى آخر في قاموس الحياة، فالانسان الفاشل دائما ما يلقى اللوم في فشله على الآخرين .. مثلا يلوم والديه لانهما لم يهتما بتربيته كما يجب، ويشجعاه على ان (يكون زول ليهو قيمة يسعد الناس بي وجوده) .. أو يلقي باللوم على اصله أو وضعه الاجتماعي (هسي لو كنتا ود ناس النفيدي كان بيكون ده حالي ؟!!) .. أو يرمي باللوم على سوء الحظ أو على القدر، كالمحتار (اندب حظي أم امالي .. دهري قصدني مالو ومالي) ودهره وزمانه بريئان من دم فشله فقد قال الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
وهب الله لنا الحياة لنتجتهد في ان نجعل لها معنى، فإن لم تسر حياتنا بالصورة التي تمنيناها من (زمن الجهل)، فلا يجب أن نلوم إلا انفسنا، لأن لا أحد يمكن أن ينفعك أو يضرك أكثر من نفسك .. ولكن تعودنا دائما عندما نسقط في شباك الفشل، ان نستسلم ونلقي باللوم على الجميع فيما وصلنا إليه إلا انفسنا، فما ايسر عندمات تتكاثر علينا المشاكل أن نلوم الاخرين قبل أن نتدمدم وننوم، أو ان نحاول تدبيج الاعذار والمبررات لتبرير ذلك الفشل ..
يسقط الطالب في امتحان الشهادة سنة وراء سنة فيلوم على ذلك السقوط .. بلادة استاتذته وعدم اتقانهم لفن الشرح بصورة جاذبة تجبره على التخلي عن عادة الزوغان ودك الحصص، ليواظب على الحضور للمدرسة .. يلوم المقرر المزدحم والفصول غير المؤهلة ووزارة التربية الما شايفة شغلها .. يلوم الجميع وينسى لوم نفسه على عدم الصبر للمذاكرة، بل وينسي ان هناك الالاف لهم ظروف اسوء من ظرفه ورغم ذلك دخلوا في قائمة الاوائل، كما اثبتت نتيجة هذا العام التي تفوقت فيها الاقاليم لتثبت ان الظروف هي شماعة الفاشلين ..
حتى في العلاقات الانسانية، نرى الكثيرين يبادرون إلي لوم الطرف الآخر على فشل التواصل .. تلومي جارتك على تلامتها وبرودة ملاقاتها لك عندما تزورينها، وتنسين ان تلومي نفسك على مكابسة بيوت الناس ساعة راحتهم، أو تتناسي انك لا تذهبين إليها الا سعيا وراء شحدة توب أو شدة شبشب !!
قد يكون السبب أن النفس ميالة بطبعها لتلمس ورصد أخطاء الغير، بينما لا تفكر في مراقبة عيوبها وأخطائها الشخصية كحال (الجمل الما بشوف عوجة رقبته)، وقد يكون السبب أننا نميل إلى نقد الآخرين، ولا نحب أن
نعترف بأننا نتعرض للوقوع في الأخطاء مثلما يفعلون .. يا جماعة حرية الوقوع في
الخطأ حق كفله الدستور للجميع !!
جميعاً بشر، والبشر خطّائين وقد يكون أي واحد
فينا على خطأ في وقت من الأوقات، ويكون الخير في أن نصلح من انفسنا ونلزم الصبر في تعاملاتنا
مع الناس، ونحاول أن نتسامح ولو قليلاً عندما ييخطئ علينا احد أو يؤذينا، ومن الافضل
أيضا أن نواجه الحقيقة عندما يكون الخطأ من جانبنا نحن .. فأول محاولة لتقوم
اعوجاج انفسنا، ان لا نلوم غيرنا على أخطاءنا في حق انفسنا أو في حق الآخرين ..
اتخيل لي ان خصلة الانهزامية وتبرير الفشل
جزء أصيل في ثقافتنا فنحن نقول عند الفشل في حل المشكلة (ان غلبك سدها وسّع قدها)
.. نهرب من الواقع ونسأل أنفسنا في تعامي (أخت اللوم على ناس مين) أو نفعل كما فعل
شاعرنا ونلوم (الظروف):
تغيب يا غالي ما تسأل .. تفوت من يومها ما نشوفك
نلومك ؟ والله ما بنقدر .. نخت اللوم على ظروفك
( أرشيف الكاتبة )