وأمس قلت إنه بالنسبة لي لا بأسَ ولاضيرَ في تصنيفِ جامعة الخرطوم مزارًا سياحيًا، فقط دون إخلائها من منسوبيها الطلاب والأساتذه، وأشرت إلى جامعاتٍ أكثر عراقة وقِدمًا من الخرطوم كالسوربون وأوكسفورد لا تزالان تُمارِسان أنشطتهما التعليمية جنبًا بجنبِ السياحة.
الأمر هُنا يتعلق بالعقلياتِ المُصمّتة التي تُدير البلاد منذ استقلالها وإلى اللحظة، كما هو متصل بالخطِ الفِكري العام للحكومةِ حيث يتموقع وزير السياحة أقصى (طرفة اليمين). تلك العقليات التي تفتقر إلى الخيالِ لا يُمكن أن تستوعب إِحْداث تطوير ما في مجال ما، إلاّ بالقضاء على هذا المجال برمته، ومثل هذه الأمور حدثت لمؤسسات وبنيات تحتية كثيرة، قبل قضية جامعة الخرطوم الراهنة، ولعل أهمها (السكة حديد ومشروع الجزيرة والنقل النهري).
وفي هذا، كنت أطلعت، قبل شهرين ونيف على خبر بدء تشغيل مترو العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا)، وفي الشهر المنصرم تواترت الأنباء من العاصمة السعودية الرياض بأن أعمال مشروع مترو الرياض على وشك الانتهاء، وأنه من المزمع أن يطرح خدماته بداية العام 2018م، بستة خطوط رئيسة تخترق الرياض من جميع الاتجاهات، و85 محطة، بتكلفة تبلغ 22.5 مليار دولار.
هنا، ربما رأت تلك العقليات الصمدِّية فقيرة الخيال، أن السماح للسياح (إن وجدوا) بالتجول داخل حرم جامعة الخرطوم في وجود طلابها وطاقمها الإدراي والتعليمي، أمر ربما يجلب الفسوق والعصيان والفجور، لأن الأجانب لابد أن يكونوا كذلك، وإلا لما كانوا أجانب، لذلك لا ينبغي لنا أن نسمح لهم بالاختلاط بأبنائنا وبناتنا لهذا وجب إخلاؤهم وإخلاؤهن من تلك المباني الأثرية (كما قيل)، إلى سوبا.
علينا أن نشير، إن أحسنا النية إلى أن هذا النسق من التفكير، ظل يسود ويسيطر على الأوساط السياسية، وأن أسئناها فستذهب بنا مباشرة إلى أن (خلف السواهي دواهي)، وهذا ما يرجحه كثيرون.
والحال، إن إخلاء جامعة الخرطوم من العيون العسلية لصالح العيون (الزرقاء) التي بنتها وأسستها، فيه ظلم كبير لتلك، كما فيه تجنٍ على هذه، كونها لا تريد أن تشعر بالعزلة، لأنها تدفع الدولارات (واليوروهات)، كي تختلط بالمجتمعات المحلية وتتعرف عن قرب على ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، وبالتالي لا تريد إزاحة تلك الثقافات من أمامها.
خبر أخير: كشفت قناة روسيا اليوم “أن بلدية موسكو قررت تنظيم عيد 16 أبريل من كل عام بحي (تشيستييه برودي) يطلق عليه (عيد الترامواي)، ليطلع أهالي المدينة وضيوفها على تاريخ الترامواي فيها، وكيفية نقل الركاب بعرباته في مختلف حقب التاريخ. ولا يزال الترامواي على مدى 117 عاما جزءًا عضويا من مواصلات موسكو. ومنذ ذلك الحين أحب أهالي المدينة هذا النوع من المواصلات العامة رغم أن تغييرات عديدة طرأت عليه في السنوات الأخير، يشار إلى أن الترامواي بدأ يسير في شوارع في موسكو في السابع من أبريل 1899. وينقل حاليًا 850 ألف راكب يوميا في موسكو وحدها. أما نحن، فالتاريخ يقول إن العمل في خطوط السكة بدأ في 1898م واكتمل قبل العام 1903م، ثم ما إن غادر (أبان عيونًا زُرق)، حتى (شلعوها السودانيين).