احس الناس يوم ان مضي (جون ورقة) الى جنوب السودان بالحزن

لم التقي في حياتي ؛ كفاحا او من وراء اسلاك هاتف او ألياف بصلاح طه ؛ الموسوم في اضابير الملفات ومفاهيم الادارة بالاذاعة السودانية كمهندس ؛ عرفت الرجل ربما بشكل اكثر كوجه تلفازي وصوت ؛ اذ نشط لسنوات كمقدم برامج جماهيرية ؛ تأخذ حينا شكل المسابقات المحلاة بفقرات غنائية واحيانا تكون سهرات للشدو الجميل ؛ كان هذا علي عهد قريب وبعيد ؛ الجامع بينهما احتكار شاشتنا الوطنية لاعين الجمهور ؛ كانت ليالي السهرات تلك تبدأ بعد ان تتحلق الاسر علي مركوز مسلسل عربي يغشاه الصبيان والصبيات باحلام المراهقة التي تعشق البطل او البطلة ؛ يوم ان كانت الدراما تتنزل عليها اعين المتابعين ؛ وتنتقل معهم لمجالس انسهم ومثلات احاديثهم ؛ فانتقل (تباع) و(دقشة) و(البرادعي) من نصوص السينارست للشوارع والازقة المتربة ؛ يوم ان انتقل (كرناف) و(ابوسنيدة) من امام حاكم سلمان ومحمد عبد الرحيم قرني الي كل المناطق الصناعية بالسودان من الخرطوم الي تخوم الرنك ! انها خطوط الطول والعرض التي يرسمها الابداع ؛ كانت بعد فترة المسلسل العربي تأت نشرة اخبار التاسعة ؛ هذه حصرا في الغالب للكبار ؛ اذ يخضعون يوميا لعملية فتاق ممنهج بصب اخبار محفوظة النصوص ؛ تتبدل الاسماء فقط وملامح المسئولين ! كانت النشرة الاخبارية تنتهي بنشرة احوال الطقس ؛يقدمها درمان كافي وعبد الله خيار ؛ ولست ادري اين هما الان وهكذا الي ان تأت فترة السهرة ؛ يكون حينها الجميع قد هجع الا من رغب ؛ وسهرات صلاح طه كنت مما ارغب فيه ؛ يطل بين بساط ابتسامة ضوئية الامتدادات ؛ وحديث نشط ؛ لحظت انه يقدم فقراته قائما ؛ لم اراه جالسا الا في تسحيلات قليلة ؛ يربط بمهارة بين فواصل الحديث والسمر وفقرات المغنين ؛ يضحك ويمازح ويستطعم بذائقة ماهرة اداء ضيوفه من المطربين ؛ كانوا كلهم جميعا اصحاب بصمة ووزن ثقيل ؛ كان يستضيف اما نجما من منظوم المجرات او لامعا في فضاء الواعدين ؛ لا تقرب اختياراته البؤساء منهم ؛ تحول صلاح طه لنجم ومربط اجادة في وقت كانت فيه للنحومية وضعية خاصة ؛ لم يكن كل من هب ودب نجما ؛ كانت الشهرة كرامة تمنح لساسة قلة وشعراء ومغنين ومذيعيين ؛ شيئا فشيئا تحول (صلاح) لشي من سمت الوطن وحياة الناس ؛ قد تصل لهذه الحالة باسمك الذي ان ذكر علت موجات الحضور في دهاليز ذاكرة السامع ؛اسماء مثل جون ورقة ؛الصباغ ؛تحية زروق ؛ الرشبد بدوي عبيد ؛محاسن سيف الدين ؛محمد ورداني حمادة وعبد الرحمن احمد محمد صالح ؛اسم حينما ينطقه صاحبه كأنما ينحته بين قلبك واذنك ! اسماء كثيرة ..بالتداول والتواتر والحضور صاروا بعضا من محطات يومك وعمرك ؛ هذا اروع قيمة للشيوع والذيوع ؛ ان يتحول الواحد منهم الي انسان مجرد اسمه يبرز امامك احساس بالاخاء والمعرفة ؛ انها درجة من صلات الرحم غير المرتبطة بدم ورابطة عرق ؛ لهذا احس الناس يوم ان مضي (ورقة)جنوبا بالحزن ؛ ناح الرجل يوم ان قطعه الانفصال مع الجنوب وما دروا انه ربما ينوح مناشدة لملايين لم يلتقيهم لكنه احس بهم ومثله عشرات …مئات بل الاف يعبرون مسامعنا فيستقرون في دواخلنا اخوة ومعارف واحباب
دمعت عيناي وحزنت يوم ان نعي كثر من هؤلاء .دعاة ..عازفون ..اذاعيون ..مطربون .. حتي بعضا منهم كان اسماء المحها في ديباحة برنامج او ملحق تنويه بطاقم عمل يقدم ؛اليوم كذلك حزنت والنعاة يغذون الاسافير بنعي صلاح طه ؛ لم التقي الرجل يوما في حياتي لكني احس الان اني فقدت شخصا اعرفه طوال حياتي .

محمد حامد جمعة

Exit mobile version