أسرة يموت أبناؤها صغاراً أو في ريعان الشباب، فقد ارتبطت بها وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية بمدرسة ود نوباوي الابتدائية (أ)، كنت أحضر إليها وزميل الراحل “الحاج أبو سنينة” الذي تربطني وتربطه علاقة حميمة بها، بل كان يقطن معها قبل أن ينتقل بعد المرحلة الوسطى يسكن معي، كنا نعود من المدرسة ولا نذهب إلى البيت بعد أن رحلنا من ود نوباوي إلى الثورة، كنا نذهب إلى بيت “أحمد إلياس” الباشممرض، وأبناؤه كانوا بمثابة أخوة بالنسبة لنا الراحلة “وداد وجلال ومحاسن وشامة والفاتح وعبد الله ورشاد ورشيدة” آخر العنقود، كانت لا تنطق “صلاح حبيب”، ولكن تقول حبيبي لصغر سنها وعدم معرفتها بالأسماء، كنا نلعب نحن والحاج أبو سنينة رحمة الله عليه والفاتح قاضي محكمة الاستئناف الآن، ثم تبدأ الراحلة “بثينة” رحمة الله عليها شرح بعض المواد العصية علينا لأننا وقتها كنا نستعد لامتحان الشهادة الابتدائية، كانت “شامة” دفعتنا تقريباً وقد رحلت قبل أيام قليلة عن هذه الفانية في صمت بعد أن تحملت الآلام لفترات طويلة من الزمن. انقطعت علاقتي بالأسرة بسبب الدراسة خارج البلاد ثم العمل الصحفي المتواصل الذي لا يتيح فرصة لنا لممارسة الحياة الطبيعية مثل بقية الخلق، ولكن كنت دائماً أزورهم ولسوء الحظ كلها في رحيل أولئك الشباب، فقد رحل “عبد الله أحمد إلياس” وهو في ريعان الشباب، ولم تمض فترة ولحقه شقيقه المحامي “رشاد” وهو في بداية طريقه للقضاء الواقف، وظلت تلك الأسرة تتلقى كل فترة نبأ وفاة أحد أبنائها وهم في ريعان الشباب، وانتقلت في صمت “وداد” الممتلئة حياة ونشاطاً وتفاؤلاً، كنا صغاراً وكانت تحدثنا دائماً عن التعليم، ثم جاءت الفجيعة الأخرى برحيل “بثينة”، ولم تمض فترة طويلة وها هي تنتقل “شامة” إلى الدار الآخرة.
أخبرني مولانا “فقيري” قاضي محكمة الاستئناف ببحري بوفاتها بعد أن ذهب إلى العزاء، فحدثه مولانا “الفاتح” عن غيابي عن المأتم، ذهبت في اليوم الثاني وشريط من الذكريات أمامي ونحن صغار نلعب في الشارع بعد عودتنا من المدرسة، ثم ذكريات الطفولة بالمنزل العتيق.
بعد أن قدمت واجب العزاء إلى الأخوات “محاسن” و”رشيدة
تأملت المنزل والحجرات التي كنا ندخلها والأماكن التي نتلقى فيها الدروس والشرح من الراحلة “بثينة”، و(البرندة) التي كانت تجلس فيها الوالدة “فاطمة” و”عروفة” والوالد “أحمد إلياس”، هو نفس البيت لم يتغير كثيراً ولكن تغير الأشخاص، رحلت الوالدة “فاطمة” والوالد “أحمد إلياس”، ثم تبعهما الأبناء “عبد الله ورشاد ووداد وبثينة” والآن “شامة” التي ذهبت إلى مستشفى (الروضة) برجليها ولم تمض دقائق وفارقت الحياة. حدثني مولانا “الفاتح” بأن إدارة المستشفى أعادت كل المبالغ المالية التي دفعوها حتى قيمة الكشف أعادوها لهم في سابقة لم تشهدها المستشفيات الخاصة التي تطالب أحياناً بعدم نقل الجثمان ما لم تسدد المبالغ المالية، نشكر إدارة المستشفى على ذلك، ونسأل الله أن يتقبل أختنا “شامة” مع الصديقين والشهداء.