في مطلع التسعينيات عدت من “لاغوس” بنيجريا بالطائرة الأثيوبية، ودعاني الأخ العميد (م) سليمان محمد سليمان، وكان وقتها عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني ووزير إعلامها، دعاني لأجلس إلى جانبه، معترفاً بأنه لا ينام في الطائرة، وأذكر أن المهندس “الطيب مصطفى” كان جلوساً في المقعد الذي أمامنا، وعندما هبطنا في “نيروبي” قابلنا في مطارها عرضاً الدكتور “علي الحاج”، فنبهني الأخ “سليمان” إلى أن ذلك الرجل هو (داهية) الجبهة الإسلامية، ولما سألته عن حقيبة اليد التي يحملها الرجل لم يتورع عن إفادتي بأنها بالتأكيد (محشوة) دولارات.. فالدكتور “علي الحاج” كان رجل المهمات الصعبة في ذلك الوقت.. وكان دائماً (جاهزاً) للطوارئ والحالات الاستثنائية والخاصة وفق خريطة الإسلاميين الموحدين يومها بزعامة الشيخ “حسن الترابي”.. وقابلت بعدها “د. علي الحاج” في ردهات منظمة الوحدة الأفريقية بـ”أديس أبابا”، حين التقى أمينها العام وبمعيته السفير “عثمان السيد” مما جعل الأمين يعلق (أراني محاطاً بالسودانيين)، وأدركت من طريقة حديثه أي رجل كان هو في (الإنقاذ) الأول… فقد أطل علينا مؤخراً الدكتور “علي الحاج” بعد رحيل الشيخ “الترابي” ليقول إنه كان (مجبراً) على الإقامة في “ألمانيا”، دون أن يشرح تلك (الفزورة) وليبرئ المؤتمر الشعبي من شبهة التعامل أو التآمر مع (الأجنبي).
ووصل حد التحدي أن يقول قائل إنهم تأمروا أو ارتزقوا.. وذاك في حد ذاته شفافية زائدة عن الحد لأنها تنبئ عن ترفع عن (الدناوة) التي وقع في مستنقعها كثيرون في الخارج.. بيد أن ما استوقفني في حديث الرجل كان حقيقة عن انفصال الجنوب، الذي قال إنه زاره سراً في 2012م حتى وصل مشارف (نمولي) ولم يجد جنوبياً واحداً بما في ذلك الرئيس “سلفاكير ميارديت” مؤيداً للانفصال، وهذا أمر جلل لأنه يرمي بسؤال بدهي عن من كان وراء الانفصال؟ والإجابة كما جاءت على لسان “علي الحاج” أن الغرب كان يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة عبر الانفصال، لكن ذلك في تقديري لا يبرئ ساحة “الأدوات” التي استخدمها الغرب أو السياسيون الجنوبيون الذين تصدوا للعملية – لحاجات في نفس “يعقوب” وأخرجوها في ثوب قشيب.
أما الدكتور “علي الحاج محمد”، فقد جاءت اعترافاته في الوقت الضائع.. ويكفينا أنه قرر العودة بعباءة (حاج أحمد)، بينما خرج بعباءة (أحمد)….!!