اســـــــتفتــــاء دارفـــــــور يقــلـــق واشــنطـــن!!

تبدأ اليوم الخطوة العملية لاستفتاء دارفور، بوصفه آخر استحقاق في «اتفاقية الدوحة للسلام»، لكن كلما وردت كلمة استفتاء سرعان ما يتبادر الى الأذهان معنى الانفصال نسبة لتجربة استفتاء جنوب السودان في 2011م التي أفضت لانفصال الجنوب واختيار الجنوبيين الانفصال.
اللافت في الامر ان وزارة الخارجية الامريكية عبرت عن قلقها ازاء ظروف تنظيم استفتاء في اقليم دارفور معتبرة ان اجراءه في الظروف الراهنة سيؤدي الى تقويض عملية السلام القائمة، وقالت الخارجية الاميركية في بيان انه في حال قيام الاستفتاء في ظل الظروف الحالية والقانون «المعمول به» فانه لا يمكن اعتباره تعبيرا صادقا عن ارادة سكان دارفور، وقال متحدث باسم وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الاستفتاء في شكله الحالي سيقوض عملية السلام القائمة حاليا، وقال ان هذا الاستفتاء يتيح للناخبين الاختيار بين إبقاء دارفور مؤلفة من خمس ولايات او جعلها منطقة واحدة مثلما كان الوضع السابق، حيث قال مارك تونر ان انعدام الأمن في دارفور والاحصاء غير الدقيق للسكان المتحدرين من الاقليم والذين يعيشون في مخيمات «النازحين» لا يسمحان بمشاركة كافية في الاستفتاء، أما عن المصدر الآخر للقلق هو قرار اللجنة المنظمة للاستفتاء رفض تسجيل الاشخاص المتحدرين من دارفور والذين يعيشون خارجه حالياً ما يستبعد ملايين الاشخاص وفق البيان الاميركي، ودعت فصائل التمرد الى مقاطعة الاستفتاء انطلاقاً من عدم استقرار الوضع الأمني.
إستراتيجية الدولة
فى وقت سابق طلبت الولايات المتحدة من الخرطوم التريث في اجراء استفتاء دارفور وأبدت اصراراً على مواصلة العملية السلمية استناداً إلى مشروعية اتفاق ابوجا واعتراف الامم المتحدة والمجتمع الدولى به إلا ان الاعتراض السياسي لبعض حركات دارفور على الاستفتاء غير مسنود قانونياً ودستورياً، سيماً ان الاستفتاء استحقاق دستوري في اشارة من رئيس الهيئة البرلمانية لنواب شمال دارفور الفريق عبد الله حسين جبريل في حديثه لـ «الإنتباهة» الى ان هذا الاستفتاء مضمن في اتفاق الدوحة، وهذه الاتفاقية دولية وعلى الرغم من ذلك هو شأن سوداني داخلي ليس من حق واشنطن ابداء اي نوع من القلق او التدخل إلا اذا طُلب منها ذلك. أما الدولة فلها استراتيجيتها الخاصة بها ومن حق رئيس الجمهورية استفتاء المواطنين في أية قضية مصيرية وعدم تعارض اجراء الاستفتاء مع تفاوض الدوحة كما ذكر الفريق جبريل وواشنطن التي تدعم الحركات المسلحة ليس من حقها الاعتراض او إبداء ملاحظات بهذا الصدد. أما عن الحركات التي تحمل السلاح ووجهة نظرها ان الحل يأتي من خلال العمل العسكري ومواطنو دارفور هم المعنيون بقرار الاستفتاء. وكان المبعوث الامريكي الى دارفور قد طالب الحكومة بالتريث فى استفتاء دارفور الى حين التوصل الى اتفاق في محادثات الدوحة لجهة أن اتفاقية الدوحة الآن تسير على قدم وساق، إلا ان واشنطن لم تجز استراتيجية الحكومة الخاصة بدارفور. وكانت الحكومة قد وقعت مع حركة تحرير السودان اتفاقاً لكن مناوي اختلف مع الحكومة وأعلن وفاة الاتفاقية وعاد أدراجه الى المربع الاول، ورفض مناوي تلبية دعوة الحكومة لمؤتمر الحوار الوطني بالرغم من الضمانات التي وفرت له.
علاقة كونفدرالية
أما بالنسبة للاستفتاء الخاص بدارفور، فنجده تم تضمينه وورد في نصوص وثيقتي سلام دارفور الموقعتين في كل من أبوجا والدوحة في العامين 2006م 2011م. ولعل الاختلاف بين استفتائي الجنوب ودارفور مرتبط بخيار الناخبين بحسب ما اشار له المحلل السياسي البروفيسور الطيب زين العابدين لـ «الإنتباهة». ومن ثم النتائج المترتبة عليه. فالأول منح الناخبين حق اختيار الانفصال وتكوين دولتهم الخاصة وهو ما حدث بعد استفتاء يناير 2011م بانفصال دولة جنوب السودان وإعلانها دولة مستقلة. أما في ما يتصل باستفتاء دارفور فإن الخيارات فيه للناخبين تقتصر على حق الناخبين في اختيار النظام الإداري المناسب لهم في إطار الدولة الأم، مما يعني عدم إمكانية تجاوز الناخبين لهذا الإطار لشكل أعلى ومختلف كمناقشة الدخول في علاقة كونفدرالية أو الاستقلال من الدولة الأم، إلا بعد الاتفاق القانوني عليها مع الحكومة المركزية.
بنود عالقة
رئيس السلطة الإقليمية لدارفور ورئيس حركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاق الدوحة د. التيجاني السيسي قال لـ «الإنتباهة» إن الاستفتاء المقام الآن سيكون حول الإبقاء على الولايات الخمس كما هي أو ضمها في إقليم واحد بحسب توجيهات واتفاق مسبق بعهود دولية. واضاف السيسي ان البنود العالقة في وثيقة الدوحة من بينها الاستفتاء حول دارفور وإدراج وثيقة الدوحة لسلام دارفور في الدستور، وأشار السيسي الى ان الحكومة أكدت التزامها بتوفير ما يليها تجاه تمويل مشروعات التنمية والإعمار بولايات دارفور والتزام الحكومة بدفع مبلغ ما عليها من مستحقات بعد اكتمال كافة المراحل «أ و ب وج»، أما في ما يتصل باستفتاء دارفور فإن الخيارات فيه للناخبين تقتصر على حق الناخبين في اختيار النظام الإداري المناسب لهم في إطار دارفور، ولعل إحدى نقاط الخلاف بين استفتائي الجنوب ودارفور تتمثل في الجهة المشرفة عليه والمنظمة له. ففي استفتاء الجنوب تم تكوين مفوضية خاصة رغم نص قانون الانتخابات القومية، على أن الإشراف على الاستفتاءات من اختصاصات المفوضية القومية للانتخابات، ولعل مرد هذا الأمر ناتج عن اتفاق طرفي نيفاشا في اتفاقهما على تشكيل مفوضية مستقلة للإشراف على استفتاء جنوب السودان حيث تم تضمين ذلك النص ضمن نصوص الدستور الانتقالي، وعلى تشكيل تلك المفوضية بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور، أما امريكا أو اية دولة اخرى ليس لديها الحق في تأجيج الأزمة او التخوف من نتيجة الاستفتاء والوضع في دارفور الآن ليس كما في السابق، ولم يبق التمرد او الحرب إلا في مناطق وجيوب قليلة فقط، لذلك وصفها بمنطقة نزاعات أو اضطرابات لا تنطبق اليوم عليها.
موافقة الناخبين
نجد على الرغم من اختلاف الاتفاقيتين في ما يتصل بكيفية تكوين المفوضية الخاصة باستفتاء دارفور أنهما اتفقتا في الإجراءات الخاصة والملازمة له، وهذا ما ورد في حديث المحلل وخبير الشأن الدارفوري الاستاذ عبد الله آدم خاطر لـ «الإنتباهة» بأن الخيارات التي طُرحت على الناخبين في هذا الاستفتاء انحصر في الاختيار ما بين خيارين أولهما تأييد إقامة إقليم واحد أو الإبقاء على الوضع الحالي للولايات. أما القواعد والضوابط المنظمة لهما فستكون وفق القواعد واللوائح التي يحددها قانون الانتخابات. أما الأمر الثالث المتفق عليه فهو إجراؤه بمراقبة دولية، ولعل التساؤل المطروح ماذا سيحدث في حال موافقة الناخبين على أي من الخيارين؟ وفي هذا السياق نجد أن في حال موافقة أغلبية الناخبين على إنشاء المادتين «59» من الأولى والمادة «78» من الثانية، ونجد أن الاتفاقين نصا على قيام السلطة الإقليمية لدارفور وتكوين لجنة دستورية لتحديد اختصاصات وسلطات إقليم دارفور إلا أن الاتفاقيتين اختلفتا في التفاصيل اللاحقة. ففي الاولى نصت على عرض اللجنة دستورها للجلسة المشتركة للمجالس التشريعية لولايات دارفور خلال ثلاثة أشهر من الاستفتاء، ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية باعتماد ما أجازته المجالس التشريعية لولايات دارفور وكل الخطوات الواجبة لتنفيذ إنشاء الإقليم الواحد أو أية خطوات أخرى. أما الدوحة فنصت على إحالة تلك اللجنة الدستورية لمسودتها للسلطة الاقليمية التي تقوم بإجازتها في غضون ثلاثة أشهر بعد الاستفتاء وتقدم بعد اعتمادها للهيئة التشريعية القومية لاعتمادها.

الانتباهة

Exit mobile version