والصيحة، الصحيفة التي شعارها أسد، والأسد يزأر ولا يصيح. (يصيح الديك فقط). تأتي أمس بـ (مأمون حميدة) ومُساعديه إلى منتداها، فقط ليردوا على ما ورد في تحقيق (شوقي عبد العظيم) الموسوم بـ (الزلزال). وما كنت أحسب أن تفعل، لأن هذا الفعل مكانه المثالي صحيفة أخرى، لكننا لا نغمط الصيحة حقها، فقط نحاول أن نشير إلى المفارقة ما بين (الصياح والزئير والصيحة والتغيير)، كأصوات وأمكنة وشعارات – طالما هي قيد العمل – لا تزال تحت الاختبار.
وتحت الاختبار هذا، يأتي الوزير حميدة إلى الصيحة ويجلسون تحت شعار الأسد، فلا يزأرون ولا يصيحون، أما شوقي ومزمل فـ (بطريقتهما)، كوني لا أتعامل مع مثل هذه الأمور على طريقة (أما أنا فلا أخلع صاحبي)، إذ ظللت مذ كنت في (المجهر السياسي) وقبل الزلزال، وإلى اللحظة، على النقيض من حيث المبدأ مع تسمية مستثمرٍ في مجال محدد وزيرًا لذات المجال، وأرقت في ذلك مدادًا كثيفًا تشهد له القراطيس الخرطومية.
وبغض النظر، عن ما سلف من آرائي حول أداء حميدة في وزارة الصحة، فإن تحقيق الزلزال كان حرفيًا دقيقًا مدعومًا بمستندات وإفادات وتقارير، لا ينقصه شيء ليُقدح في مهنيته، ولربما لهذا السبب هرع الجمع إلى المنتدى المخصص للدفاع عن سياسة الوزير ومنهجه. لذا أُبنا مُجددًا لنحاورهم.
والحال، أن الوزير حميدة، ليس ملاكًا هبط إلى الصحة من السماء، فهو إنسان في كامل بشريته وتمام نفسه (الأمَّارة بالسوء)، لذلك فهو قابل للنقد والمراجعة، كما هو قابل للقدح والمدح أيضًا، فإذا اتفقنا على ذلك، علينا أن نُشير إلى جُملة أمور مهمة جعلت الرجل محط اهتمام الإعلام دون سائر الوزراء، وأولها أنه واحد من كبار المستثمرين في مجال الطب والتعليم بالبلاد، وبالتالي فإن محض تسنمه أي وزارة ذات صلة بالحقلين محل استثماره أمر يجعل الريبة والشك يحومان حوله، وكان عليه أن يتوقع ذلك.
ولأن البشر مجبولون على ترجيح مصالحهم الخاصة، فإن انخراط حميدة في الوزارة يضعه في حالة تناقض دائم بين الخاص والعام، بين مصالحة الشخصية والمصلحة العامة، وفي تناقض آخر بينه وبين منافسيه المستثمرين في ذات المجال، لذلك، ولأنه – لربما – قد تتغلب عليه أهواؤه الشخصية فينتصر لاستثماراته الخاصة على حساب العمل العام، وكذا على حساب منافسيه من المستثمرين.
أمر ثانٍ مهم، وهو علاقة الوزير المتناقضة بالإعلام، وهو يستثمر فيه أيضًا، عبر صحيفة التغيير والإذاعة الطبية، وينشط فيه عبر برنامج أسبوعي يبثه تلفزيون الحكومة، وهذا يشير إلى شغف الرجل بالأضواء وحبه للشهرة، فيما من ناحية أخرى يضيق صدره إذا ما انتقد الإعلام أداءه ويبلغ به الغضب مبلغًا أقرب إلى الحمق، حيث يصفه بالجهل والجهالة ولا يفتأ يردد (مواله) هذا كلما أشرق صبح وحلَّ ليل.
وأمس، في منتدى الصيحة، وعوضًا عن أن يترافع الرجل بشكل علمي عن أدائه، قال إنه غير نادم على توليه الوزارة. وأضاف: “ربنا أدَّانا من النعم الكثير، وكان لا بد أن نرد الجميل للمواطنين، وهذه السنوات الخمس ما هي إلا زكاة العمر”.
يا لهول ما قال، فإن الوزير يرى وظيفته التي يتلقى نظيرها راتبًا يدفعه المواطن الغلبان، محض رد جميل، وليس تكليفًا يخضع بمقتضاه للمساءلة والمحاسبة، وإن يرى عمله مجرد (زكاة عمره) يبذلها لهذا الشعب الفقير، فإن ذلك لعمري لم يسبقه عليه أحد، فمن قال لحميده إن البلاد والعباد يحتاجون زكاة عمره، وإنهم يتحسبون منه أن يرد إليهم جميلهم. فإذا كان حميدة يعمل وفقًا لذلك، فإن الفشل حليفه لا شك، ويبدو أن هذا ما يحدث الآن.