البيان الصحفي التالي صدر في بروكسل يوم 5 أبريل 2016 بواسطة المتحدث الرسمي للسيدة فريدريكا موغريني نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، والممثلة السامية للعلاقات الخارجية للاتحاد الأوربي.. نورده في فقرات لأن كل فقرة تحمل وراء سطورها أبعاداً خطيرة، تتعارض مع سياسة الحكومة وتتعاطف مع المعارضة، بالرغم من امتناع الأخيرة من التوقيع على خارطة الطريق التي أشادت بها المفوضية في فقرتها الأولى:
الفقرة الأولى: تم تعزيز احتمالات التوصل الى حل النزاعات الداخلية في السودان خلال مبادرة لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى، والتي يترأسها الرئيس ثامبو امبيكي في أديس أبابا..
هذا الانجاز مهم لأنه يسعى لتحقيق السلام في السودان، ووضع (حجر الأساس) لحوار وطني شامل.
الفقرة الثانية: إن اتفاق خارطة الطريق التي اقترحتها لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى، تحدد خطوات لإنهاء النزاعات في دارفور والمنطقتين ووصول المساعدات الإنسانية وهي أيضاً تضع إطاراً للحوار السياسي (الموازي) الذي سيضم في النهاية جميع الأطراف في السودان.
الفقرة الثالثة: الاتحاد الأوروبي يشجع الحكومة على (الالتزام) باتفاق خارطة الطريق للنظر في خطوات إضافية فورية لبناء الثقة بين (جميع الأطراف)، تضمن (الحريات الأساسية المؤدية الى الحوار) إن الاتحاد الأوروبي (يتطلع) الى ما تبقى من المشاركين في اجتماع أديس أبابا للمشاركة بشكل كامل في هذه العملية، وتغليب حسن النية من جانب جميع الأطراف هو أمر ضروري للتقدم.
الفقرة الرابعة: في هذه الأثناء لا يزال العنف مستمراً، والاحتياجات الإنسانية كبيرة (والضائقة الاقتصادية تنمو)، يجب على الحكومة والمعارضة المسلحة وقف العمليات من جانب واحد والالتزام بوقف الأعمال العدائية التي قطعتها على نفسها في أواخر عام 2015، وهذا من شأنه تعزيز ثقة أكبر بين جميع الأطراف وإعطاء الوقت لوضع القواعد الأساسية للمفاوضات المفصلة، وتعزيز الجهود التي تبذلها لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بدعم من الاتحاد الأوروبي لإدراج (جميع) الأحزاب السياسية و(الحركات) و(المجتمع المدني) في هذه العملية السياسية الحيوية.. الترويكا (أمريكا، وانجلترا، والنرويج) أصدرت بياناً يوم 8 أبريل 2016 يتطابق مع بيان الاتحاد الأوروبي وقع الحافر على الحافر لذلك التحليل التالي يشمل البيانين:
التحليل: الفقرة الأولى تعتمد وتؤيد كل خطوات اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى وتحديداً يجدد الاتحاد الأوروبي ثقته في الرئيس ثامبو امبيكي ويعتبر الاتحاد الأوربي أن هذا انجاز مهم، لأنه يضع (حجر الأساس) لحوار وطني شامل، وهذا يعني بالضرورة عدم الاعتراف بالحوار الوطني الحالي، لأن كلمتي (حجر الأساس) تعنيان بداية حوار جديد، وهذا يتعارض مع سياسة وتوجه الحكومة- هذا التحليل مبني على أن السياسة الدولية وتصريحات المسؤولين فيها دقيقة وكل كلمة تخرج توضع بعناية مقصودة، وهذا يتسق كثيراً مع أدبيات ومطالبات المعارضة السودانية في الخارج، مما يطرح تساؤلاً مشروعاً عن أثر بعض عناصر المعارضة السودانية في الخارج على الاتحاد الأوروبي، وتحديداً الامام الصادق المهدي الذي تتشابه تصريحاته الأخيرة مع ماصدر من الاتحاد الأوروبي في هذا البيان الصحفي.
الفقرة الثانية: في ختامها تقول: الحوار السياسي (الموازي) الذي سيضم في النهاية جميع اّلأطراف في السودان- الموازي، معناها خط أو حوار جديد مواز للحوار الوطني الحالي، والخطان المتوازيان لا يلتقيان كما هو معلوم- هذه الفقرة تزيد تأكيداً على الفقرة الأولى كما أوضحنا.
الفقرة الثالثة: تطالب الحكومة بـ(الالتزام) باتفاق خارطة الطريق قبل أن تطالب المعارضة بالتوقيع عليها، وتضع شروطاً باسم المعارضة وتبريراً لها على عدم توقيعها، إلا بعد بناء الثقة عبر مطالبة الحكومة ببسط الحريات الأساسية المؤدية للحوار.. هذا تأكيد آخر على أثر المعارضة الخارجية مع الاتحاد الأوربي، بعد ذلك كله الاتحاد الأفريقي (يتطلع) ولا يلزم المعارضة بالمشاركة في العملية التفاوضية.
الفقرة الرابعة: أشارت وأكدت أن العنف مستمر والاحتياجات الإنسانية متزايدة، دون الإشارة الى تحسن نسبي في الأحوال الأمنية في دارفور والمنطقتين، وهذا يتسق مع مقدمة قرار مجلس الأمن 2265 وكذلك المواد من (15-20)، ويضيف بيان الاتحاد الأوربي الصحفي أن (الضائقة الاقتصادية تنمو)، ثم يؤكد ضلوع الاتحاد الأوروبي في العملية التفاوضية هذه، وذلك بدعم- (لم يحدد نوع الدعم)- (جميع) الأحزاب السياسية والحركات- (يقصد عبد الواحد لأنه لم يشارك في خارطة الطريق)- والمجتمع المدني الذي تجاهلته خارطة الطريق.. كل ذلك يؤكد انحياز الإتحاد الأوروبي والترويكا لهذه الجهات التي تعارض الحكومة.
الخلاصة: إن الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن متناغمان في مخططهما، الذي يدعو في المقام الأول الى تسوية الهبوط الناعم التي يدعو لها الامام الصادق، والتي تعني هبوط طائرة الإنقاذ الى ارتفاع آمن، يضمن بقاءها في سلطة انتقالية تقل فيها قبضتها الحديدية على مفاصل الحكم بدرجة كبيرة، تتاح فيها الحريات الممهدة الى وضع دستور دائم للبلاد، يضمن تداولاً سلمياً للسلطة تتساوى فيه فرص الجميع في الحكم الديمقراطي عبر انتخابات نزيهة.. والخلاصة الأهم من بيان الاتحاد الأوروبي هي إقحام جملة (الضائقة الاقتصادية تنمو) في الفقرة الرابعة، وتعني أن الاتحاد الأوربي متابع ومؤيد للضائقة الاقتصادية والحصار على الحكومة ويعتبرها إحدى وسائل الضغط على الحكومة، لقبول تسوية الهبوط الناعم، وفي المقام الثاني يحمل بيان الاتحاد الأوروبي دعماً لقرار مجلس الأمن رقم 2265 في فبراير 2016، الذي كما أسلفنا في مقال سابق تمهيداً لتدخل دولي مباشر محدود، لا يؤدي الى إحداث فوضى في السودان تؤثر على استقرار تسع دول حول السودان هي مصر، وليبيا، وتشاد، وافريقيا الوسطى، وجنوب السودان، واريتريا، واثيوبيا، والسعودية، واليمن.
التوصية: التعامل مع قرار الأمم المتحدة 2265 وبيان الاتحاد الأوروبي والترويكا بكل دقة واهتمام والعمل بشتى الوسائل لوقف معاناة المدنيين في النزوح والغذاء والعلاج والأمن، لأنها هي الذرائع التي يُؤتى بها السودان.. كسب الاتحاد الأفريقي والتعاون التام معه.. وأخيراً التنفيذ العاجل لمخرجات الحوار الوطني الحالي، واعتبار ذلك تمهيداً لجولة حوار أشمل يوقف كل الحروب، ويتيح الحريات، ويضمن التداول السلمي للسلطة بعد فترة انتقالية مقبولة لكل الأطراف الداخلية والخارجية والمجتمع الدولي.
ختاماً يجب أن نلاحظ ونتابع تزايد وتائر القرارات والتصريحات الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والترويكا، وأن نتحسب لها واعتبارها مقدمات لأمر عظيم يتم التخطيط له بعناية سوف يحدث.. وأن لا نتجاهله كأمر عادي حدث قبل ذلك، ولم يأتِ بعده شيء على السودان.
تواتر التصريحات والبيانات يعتبر في لغة الدبلوماسية الأممية نداء إيقاظ أخير كما حدث لصدام حسين في مارس ،2003 لاحظوا صدور بيان الاتحاد الأوروبي يوم 5 أبريل مباشرة بعده بيان الترويكا يوم 8 أبريل، الذي يتطابق مع بيان الاتحاد الأوروبي.
والله الموفق.
تقرير : عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة